هكذا، وبعد معاناة مع المرض، يفارقنا صاحب القلب الكبير، وقد ترك في قلوب شعبه حرقة، وشوقاً، ممن أحبهم فأحبوه، وبادلهم المودة فبادلوه. فقد كان طرازاً فريداً من الرجال، وعندما سيكتب التاريخ عن رجل ينتظره، فسيكتب عن صاحب مشروع الإصلاح، وتقديم المبادرات، الذي قاده منذ سنين عدة، فقام بوضع خرائطه، ورسم خططه، بآليات متنوعة، وتقديرات متوقعة، من أجل رعاية شعبه بغطاء شامل، تحت قيادة ملك اسمه: عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي وهب جهده وعمره لخير بلده، والتصدي لكل عمل يعيق مسيرته.
رحل بعد أن ترك لنا احترامه لمواقفه، التي سيذكرها القاصي والداني، بمداده المنساب، وسيقرؤه العالم العربي والإسلامي، حين كتب في قلوب محبيه شهادة وفاء بعمق إنجازاته، ونهجه الإصلاحي، ومسيرته الرائدة، التي أوصلته بشهادة المنصفين، لأن يكون حكيم الزعماء.
عندما يأتيك خبر رحيل رجل بحجم الملك عبدالله بكل هدوء، ووقار، كان ملء السمع والبصر، فسيختلط الحزن مع الارتباك؛ لأن فقده لا يعوض، والحزن عليه سيكون دافقاً. كيف لا؟ والعصر الذي عاشه هو عصر التغيير نحو الأفضل - بلا شك -، ترجمه على أرض الواقع - التزاماً وعملاً -، وتأسيس أشرعة؛ من أجل مزيد من التطور، والتقدم، وذلك وفق توازن لا يخل بما حققه من منجز، ومشاريع تنموية، وصروح علمية، يمثل حصناً منيعاً لحماية الوطن، ومكتسباته.
كان يختم قرارات الخير، بإمضاء «عبد الله بن عبد العزيز». وبعبارته التي ستحتفظ ذاكرتنا الوطنية بها: «يعلم الله أنكم في قلبي دائماً. . فلا تنسوني من دعائكم»، فكانت - تلك العبارات - بمثابة الدافع القوي للعمل الدؤوب، والجهاد المتواصل في مناحي الحياة، فمضينا معه، كما كان معنا، فخورين به، واثقين بالله؛ ولأنني أكتب ما سبق، أمانة للتاريخ، ونبراساً للأجيال القادمة. فالرضا الضمني الظاهر في التقييم العام لدى المتابع، هو أهم ما لحظناه خلال فترة وجيزة من إنجازات على أرض الواقع، تتحدث عن نفسها. ولذا، فإن أبرز ما يميز الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، في رؤيته الإستراتيجية من تطور، وتقدم، ومنجزات عملاقة خلال سنوات قليلة، هو: استشرافه للمتطلبات المستقبلية، مع ضرورة الأخذ بالأسباب المادية؛ لتحقيقها. عزاؤنا فيك أيها الملك الصالح، أن الموت حق، وأنه وإن رحلت عنا بجسدك، فستظل ذكراك الحميدة في ألسنتنا، ومخيلات أفكارنا؛ ولتهدأ روحك الطاهرة، وفكرك النير، وابتسامتك العطوفة؛ لأننا سنقف أمام التاريخ الذي كتبته بحكمتك، وحنكتك السياسية، وبأقوالك، وأفعالك. وستلهج ألسنتنا بالدعاء، وسنذرف الدمع في وداعك حزناً على فقدك. فإلى الله نحتسبك يا خادم الحرمين الشريفين، والله نسأل: أن يعوضنا في فقدك خيراً، وأن يمطر ضريحك شآبيب رحمته، وأن يجعل الفردوس مقرك، ومثواك؛ كفاء ما لقيناه، ولقيه العالم - العربي والإسلامي - ، بل والإنسانية بأسرها منك من فضل، وعون، وتكريم.