استهلال
وأنت وإن أفردت في دار وحشة
فإني بدار الأنس في وحشة الفرد
أود إذا الموت أوفد معشراً
إلى عسكر الأموات أني مع الوفد
عليك سلام الله مني تحية
ومن كل غيث صادق البرق والرعد
في هزيع الليل الآخر جاء النبأ المجلجل حاملاً أسى أمة على فقيد وطن.
بكى الباكون ونعى الناعون وكتب الكاتبون، مسيرة حافلة بالعطاء الإنساني الذي كان استثناء في كل شيء، كان الملك الصالح، وكان الوالد الناصح، وكان الإنسان المتصف بكل معاني الإنسانية الحقة، فكان إجماع العالم كله، عربية وعجمية على أنه ملك الإنسانية .
عبد الله بن عبد العزيز، قد تكون صفة العفو من أشهر صفاته وأجلها، فقد كان مسامحاً عافياً في كل أمر يتعلق به شخصياً، وساعياً للعفو، وناشراً لثقافة العفو بين الناس، سواء في قضايا شعبه الداخلية أو في العلاقات الدولية، فكانت سمة العفو هي التي غلبت عليه، من عباراته التي عندما أتذكرها تدمع عيني ( التسامح زين.. اللي عند الله أطيب .. الخ )، خلافات دولية تدخّل فيها من منطلق العفو والتسامح ونجح، حرص طوال حكمه أن تكون رسالته الدائمة للعالم أجمع ولشعبه أخص هي رسالة العفو والصفح والمسامحة.
من أجلّ وأعظم أعماله والتي أثلجت صدور شعوب الخليج عامة، تدخُّله المباشر والشخصي في قضية الخلاف الخليجي القطري، فكان الرجل المصلح.. الرجل المحب.. الرجل المدرك لخطر تفرق البيت الخليجي، فكانت اجتماعاته الفردية التي أثمرت صلحاً وعودة الأخوة إلى سابق عهدهم بكل المحبة والمودة والصفاء، وفي نفس السياق العلاقات المصرية القطرية التي عادت استجابة لروحه - رحمه الله - الطيبة المؤمنة بأهمية المسامحة والعفو والتعاضد والتعاون بين الأشقاء.
وللعفو داخل الأسرة السعودية قصة أخرى، حيث تبنى - رحمه الله - بذل جاهه في قضايا القصاص التي يغلب عليها الخطأ أو لنسمِّه نزغة الشيطان وانفلات العقل في لحظة انفعال، فكان برنامجه الذي أوكل بتنفيذه لابنه الأمير تركي بن عبد الله أمير منطقة الرياض، حيث تشكّلت لجنة متخصصة أثمرت نتائج مبهرة ثمرتها إحياء عشرات الأنفس نتيجة محبة الناس لهذا الرجل الاستثناء، كان آخرها في الخيمة التي أقيمت في فناء مدينة الملك عبد العزيز الطبية أثناء دخوله الأخير للمستشفى حيث التقى ولي العهد الأمير سلمان - في ذلك الوقت - أولياء دم 16 رقبة من جنسيات مختلفة أعلنوا عفوهم التام دون قيد أو شرط استجابة لشفاعته - رحمه الله -.
حبه للعفو سمة متأصلة وصفة ملازمة لشخصيته، ولذا فلا تجد أحداً إلا ويدعو له من قلب مفعم بمحبته الخالصة سواء ممن لهم صلة به ولا ليس لهم صلة به.
أتذكر أيام ولايته للعهد كنت في مجلس الدكتور عبد العزيز الخويطر - رحمه الله -، وجاء الحديث عن شخصية ولي العهد - الملك عبد الله - فقال الدكتور الخويطر كلمتين علقتا بذاكرتي قال : عبد الله حبيب وطيب .
المحبة تثمر محبة، والطيبة تثمر علاقات متميزة وشفافة، وهذا ما كان يُعرف عنه - رحمه الله - كانت روحه المرحة القريبة من الناس هي الخيط الرفيع الذي جعل الجميع يؤمن بأبوته الحقة .
لذا فإننا عندما نقول عنه - رحمه الله - إنه ملك العفو فإنما نقول ذلك لسجله الحافل بالعفو وحبه له.
رحل جبل أشم، ووري الثرى فعجباً لكل أيها الثرى كم من عظيم خالطتك عظمته ورضيت بك قامته.
وقبرت وجهك وانصرفت مودعاً
بأبي وأمي وجهك المقبور
فالناس كلهم لفقدك واجد
في كل بيت رنة وزفير
عجباً لأربع أذرع في خمسة
في جوفها جبل أشم كبير
رحل عافياً ساعياً للعفو محباً له، اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنه وأكرم نزله واجعله ممن يقال لهم يوم القيمة أين العافون فأجرهم على الله.
والله المستعان.