مضى عقد من الزمن والمملكة العربية السعودية في عهد المغفور له - بإذن الله - الملك عبد الله بن عبد العزيز صاحب الأفعال الجادة والمواقف الرائدة والأقوال الصادقة وهي تودعه في يوم الجمعة الثاني من ربيع الثاني، فهي تنعم برفاه اقتصادي واجتماعي متميز لم تشهد له مثيلا في تاريخها الحديث. ينطلق من رؤية طموحة تتجسد في خدمة الإسلام والقضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والدعوة الصادقة إلى التضامن ووحدة الصف العربي والإسلامي والاستقرار الإِنساني والسلام العالمي.
تعكس مشروعات توسعة الحرمين الشريفين الفريدة والخدمات والتجهيزات والمعدات والتقنيات المتقدمة التي تُوفر بجودة عالية واستدامة، والتطوير التراكمي للمشاعر المقدسة قمة الرعاية الرائدة لقدسية تلك الأماكن وتهيئتها لأداء النسك بيسر وسهولة، مع ضمان الاستقرار والطمأنينة والسكينة لمن يقصدها من المسلمين في جميع الأوقات.
في إطار الأمان الإِنساني تم إنشاء مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات من أجل نبذ الصدام وتقريب وجهات النظر حول مجمل القضايا، وفي مناسبات عديدة دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز «يرحمه الله» إلى تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المختلفة لتأسيس علاقات على قاعدة متينة من الاحترام المتبادل، والاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري. كما برز عمق المسؤولية التي يحملها في جنبات نفس زكية تبني ضرورة إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ودعمه من أجل بلوغ أهدافه لحماية العالم من خطر الإرهاب وتداعياته المدمرة، والتحذير من مخاطره في نداء صريح للعالم أجمع يحمل التنبيه لحجم مخاطره، وضرورة تحمل المسؤولية الدولية الجماعية للتصدي له والتعاون للقضاء علي بواعثه ومسبباته التي تقتل الإِنسان وتهدد معطيات التنمية في كافة دول العالم.
امتد عمق الإدراك إلى أهمية التلاحم الاجتماعي وأثره على الوحدة الوطنية لحماية أفراد المجتمع من الانقسام المفضي إلى الاضطرابات التي تؤثر على منجزات التنمية، فتم إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لتحقيق هذه الغاية. وقد أسس لعلاقات راسخة إقليمياً ودولياً تراعي الالتزام بالاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية وحسن الجوار والنوايا، مع حفظ المصالح والوقوف على مسافة واحدة فيما يتصل بقضايا الإسلام والمسلمين مع دعم وتعزيز ما يخدم تلك المصالح لدى الهيئات والمنظمات الدولية، وفي كافة المحافل والاجتماعات.
أصّل منظومة تداول الحكم بإصدار نظام هيئة البيعة مع اللائحة التنفيذية، وتكوين هيئة البيعة، واستحث منصب ولي ولي العهد لضمان الانتقال المرن للسلطة وسد أي فراغ دستوري في نظام الحكم. وحرص على تحديث نظام القضاء، ونظام ديوان المظالم وتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير السلك القضائي والرقي به، كما تم إنشاء عدد من الهيئات والإدارات الحكومية والجمعيات الأهلية ذات الصلة بحاجات المواطنين ومنها (الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد)، و(هيئة النقل العام)، و(هيئة الغذاء والدواء)، و(الهيئة العامة للإسكان)، كما تم إنشاء وحدة رئيسة في وزارة التجارة والصناعة بمستوى وكالة تعنى بشؤون المستهلك. وبدأت المجالس البلدية تمارس مسؤولياتها المحلية وزاد عدد مؤسسات المجتمع المدني. وفتح المجال أمام مشاركة وتمكين المرأة فأصبحت عضوا فعالا في مجلس الشورى، وشغلت أعلى المناصب القيادية.
استشعر «رحمه الله» دور الأمان الاجتماعي بكونه معززاً جوهرياً وواقياً حقيقياً للتنمية الشاملة والمستدامة، فضلاً عن كونه مثبطاً فعالاً للاضطرابات وحائلاً دون وقوعها. وأمر بتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي من خلال تبني وتطوير برامج شبكات الأمان الاجتماعي ودعمها من أجل تقديم خدمات الضمان الاجتماعي، واعتماد بعض البرامج المساعدة والمكملة لمساعدة المحتاجين. كما تم استحداث برنامج الدعم التكميلي، ويهدف إلى سد الفجوة بين الدخل الفعلي للأسر والأفراد الفقراء، ودعم الصندوق الخيري الاجتماعي للحد من الفقر. إضافة إلى تقديم إعانات مادية وعينية وطبية لذوي الاحتياجات الخاصة. وتوفير خدمات رعاية الأحداث والحضانة الاجتماعية. ومنح إعانة نقدية مؤقتة للشباب الباحثين عن فرص عمل. والشروع في بناء (500) ألف وحدة سكنية موزعة بين المناطق. وتقديم القروض العقارية، والقروض الاجتماعية لتخفيف الأعباء عن الفئات غير القادرة.
لقيت القطاعات الحيوية اهتماماً نوعياً ومنها الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة. وفي هذا الإطار تلتقي جهوده الرائدة مع أهداف التنمية الألفية (2000م - 2015م) في جميع الأهداف، وفي مقدمتها القضاء على الفقر والجوع فقد عمل الملك عبد الله «يحفظه» الله منذ بداية عهده على تبني الاستراتيجيات وإطلاق البرامج لمكافحة الفقر وتوجيه جل الموارد لتخطي تحدي الجوع والفقر، وقد نجح في ذلك بشواهد عصرية جعلت مجتمع المملكة مجتمعاً حضارياً يمتلك مقومات العلم والمعرفة، ووسائل التقنية المحققة للرفاه الاقتصادي والاجتماعي، في منظومة وطنية متلاحمة تجسد الولاء لوطن يمتلك مقومات التنمية المستدامة التي تكفل نصيب الأجيال القادمة في الموارد المتاحة. كما تم تمويل العديد من البرامج المتصلة بالطاقة والبيئة والتغير المناخي إدراكاً بأهمية ذلك في تطوير الموارد والمحافظة على البيئة واستدامة التنمية.
حظي التعليم العام بنصيب وافر من الاهتمام حتى بلغ الشمولية واستهدف الجميع. وواكب التعليم الجامعي المسيرة إِذْ ارتفع عدد الجامعات من (8) جامعات لتصل إلى (32) جامعة منها (24) حكومية و(8) جامعات أهلية. مما يضعها في رقم جديد على طريق التقدم والمنافسة الدولية بالتحول من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وهو الاقتصاد الذي يقوم بشكل مباشر على إنتاج المعارف والمعلومات وتداولها والاستفادة منها بنظرة واعية لصناعة اقتصاد منافس يُولد المزيد من فرص العمل الواعدة التي تستوعب الشباب الباحثين عن عمل لتحييد البطالة التي سعى «يرحمه الله» لحلها والقضاء على أسبابها.
يعد مشروعه «رحمه الله» للابتعاث الخارجي رؤية مشرقة في ميدان العلم والمعرفة، إِذْ وصل عدد المبتعثين حتى نهاية العام الماضي إلى ما يزيد على 150.000 مائة وخمسين ألف مبتعث عدا المرافقين الذين استفادوا من فرص التعليم، بالإضافة إلى نحو 10.000 مبتعث هذا العام. كما تم إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والعديد من المدن الاقتصادية، إضافة إلى عدد من المعاهد والمراكز في بعض الجامعات لأبحاث التقنيات متناهية الصغر (النانو).
تُمثل رعايته «يرحمه الله» لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع ورئاسته مجلس أمنائها نقلة نوعية في الاهتمام بالمبدعين والمتميزين في مسيرة التعليم بالمملكة واستجابة واعية للتحولات في مجال البحث والتطوير. وكذلك تحديث البرامج والمناهج التربوية والتعليمية من خلال مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام لتواكب التقدم العلمي والتطور التقني الذي يشهده العالم.
أولى «رحمه الله» القطاع الصحي رعاية خاصة فدعمه ماديا ومعنويا، فتبوأت المملكة مكانة مرموقة في هذا المجال، وأصبحت مرجعا طبيا في العلوم والمعارف الطبية، وبخاصة أمراض القلب وجراحته، وزراعة الكبد، وعمليات فصل التوائم السيامية التي حققت فيها المملكة نجاحاً متميزاً.
تعزيز النظام الدفاعي والأمني من ابرز مرتكزاته، إِذْ عمل على تطوير منظومة الدفاع عن أرض وحدود الوطن بوسائل التسليح الحديث التي تعمل بأدق التقنيات المتقدمة. وفي شأن الأمن الداخلي بذل الجهود المخلصة لترسيخ الأمن، ومن أبرز تلك الجهود ما تقوم به الأجهزة الأمنية من إجراءات جادة في التصدي للانحراف الفكري والتطرف والإرهاب، ولعل النجاحات المتتالية والعمليات الاستباقية لإفشال المخططات الإرهابية، وتجفيف منابع الإرهاب لحفظ الأمن العام والنظام العام والسكينة العامة تعد ترجمة للاستراتيجية التي تبناه «يرحمه الله» لضمان أمن المواطن والمقيم واستقرار الوطن.
ريادة متميزة في توجيه بوصلة العمل الخليجي المشترك نحو الاتجاه الصحيح بعد أن كاد ينحرف عن مساره الطبيعي بشكل خطير بوقفة متأنية لتقييم الموقف وإعادة توجيهه نحو الهدف، فلم يسكن له بال «يرحمه الله» حتى أعاد دولة قطر إلى واحة مجلس التعاون لدول الخليج العربي. لتتصل تلك الريادة بالعمل العربي والإسلامي من آخرها رأب الصدع وإزالة الخلاف بين الأشقاء في جمهورية مصر العربية ودولة قطر في إطار دعوات ومبادرات دعم وتعزيز المحبة ونبذ الفرقة والخلاف من أجل التوحد والاصطفاف في منظومة موحدة تهب التنمية والخير للجميع، وتمتد لخدمة الإِنسانية جمعاء بمشاركة غير ممنونة ولا مقطوعة لتنمية الإِنسان وإغاثة المحتاج أينما كان على ظهر هذه الأرض.
جهود الإعانات والمساعدات السعودية من يد سخية تهب الخير وتبذل المعروف للجميع في السعة وفي أوقات المحن والأزمات والكوارث، فالتنمية الشاملة كما هي داخلية حرص «رحمه الله» أن تكون أيضاً تنمية سعودية خارجية في الدول العربية والإسلامية وفي بقية دول العالم الأخرى. وهي في حقيقتها بذل وعطاء وفير يحمل هوية المملكة العربية السعودية وريادتها العربية والإسلامية وفي المنظومة الدولية ليظل شاهدا في الرخاء وفي الأزمات وأمام أعين المنصفين وفي أعين الحاسدين والشامتين.
المنظومة السعودية منظومة متكاملة حاكماً ومحكوماً في وطن خالد يستوعب الجميع في لوحة مشرقة من كافة المواطنين تمد يد المبايعة أو تبايع قولاً وقلباً لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي يمتلك مقومات الحكم الرشيد من خبرة ثرية في السياسة والإدارة والاقتصاد والسياسات الاجتماعية والعلاقات الدولية من حاكم للرياض نحو نصف قرن إلى وزير للدفاع، تتخللها دبلوماسية فريدة برزت جلية في المحافل ذات الأهمية البالغة الإقليمية والدولية. ومبايعة مماثلة لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن ين عبد العزيز - حفظه الله - وهو الذي تميز في سلاح الطيران دفاعاً عن الوطن، ورسخ أهداف التنمية الوطنية الشاملة في منطقة حائل، ومن ثم أسهم بجهود رائدة في تطوير المدينة المنورة، ويتوج ذلك برئاسة الاستخبارات العامة في إطار علاقات دولية مثمرة، وفي ختامها منصب ولي ولي العهد ومستشار ومبعوث خادم الحرمين الشريفين في ممارسة عملية متميزة داخلياً وخارجياً. وتكتمل الرؤية السعودية والمنظور السعودي المتئد لانتقال الحكم بعيداً عن كل التأويلات لولي ولي العهد وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز - حفظه الله - لتتحد توجهات المباركة والتأييد والمبايعة لراعي الأمن صاحب هذا المورث من حامي حمى الأمن الأول ولي العهد الأسبق الأمير نايف بن عبد العزيز «رحمه الله» ليكمل مسيرة الاستقرار وحفظ أمن الوطن بما اكتسبه من تجربة ثرية ومواقف جسيمة تحملها وتبناها جوهرها حفظ أمن الوطن والمواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة التي تهب قيادتها الخير للجميع.