القادة الكبار حينما يرحلون هم الذين يجبرون التاريخ على التوقف لاستعراض مواقفهم التي ستخلدها الأيام.
نعم الموت حق، ولكن الأعمال الجسام والمواقف المؤثرة هي التي تجعل الإنسان المؤثر خالداً في نفوس الجميع.
أهله الذين عاش بين ظهرانيهم وأكسبهم من سلوكه وأخلاقه وصدقه سمات يتناقلها الصغير قبل الكبير.
شعبه الذي اعتاد أن يطلق عليه صفة أب، لحدبه على هذا الشعب كحدب الأب على أبنائه، كان قلبه مفتوحاً قبل مجلسه، يتعايش مع الجميع، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، يشاركهم الضراء قبل السراء.
أمته العربية والإسلامية كانت حاضرة دائماً في وجدانه، يدافع عن قضاياها بحزم وشجاعة وإصرار ودأب أكسب القضايا العربية والإسلامية الحصانة والحماية، وجنَّب العديد من الدول والأقطار الإسلامية والعربية المصائب، وشكلت مواقفه الإسناد المهم في أوقات حرجة.
ذلك هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي لبى نداء ربه صباح الجمعة، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة عصر أمس الجمعة، وشيع في حضور العديد من قادة الدول الإسلامية والعربية إلى مقبرة العود وبإجراءات بسيطة ومعتادة من قبل قادة هذه البلاد المباركة.
إن الكلمات لا تكفي الحديث والإحاطة بكل أعمال الفقيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- فهذا الرجل ورغم قصر المدة التي قضاها ملكاً للبلاد، شهد عهده الكثير من الإنجازات والأعمال التطويرية الكثيرة، فأصلح قطاعات عديدة، في مقدمتها التعليم والقضاء والصحة، وشمل التطوير الكثير من الأنظمة التي جعلت المملكة فعلاً بلاد المؤسسات الحديثة.
قائد فذ سيحتفظ التاريخ له بصفحات مضيئة تسطر إنجازاته وتبرزه قائداً مصلحاً حمل راية التنوير، شهدت المملكة في عهده كثيراً من العمل الجاد الذي انعكس إلى خارجها، مثبتاً علاقات طيبة وجيدة مع جميع الدول العربية والإسلامية والدولية، فكان رجل الحوار، ورجل الإنسانية، وجعلته مساهماته الخيرة وعمله الدائب في توثيق العلاقات الطيبة مع إخوانه القادة وفيما بينهم، أن يحمل بكل جدارة لقب (حكيم العرب)، كحكمته وعمله الدائب لحل الخلافات بين الدول العربية.
والحمد لله أن الله أكرم بلادنا والأمة العربية والإسلامية بخلف هو خير للسلف الذي فقدناه، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي بُويع ليلة الأمس قائداً متمرساً شارك بفعالية في مسيرة بناء المملكة العربية السعودية منذ أيام والده الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، واستمر في تحمل المسؤوليات في كل عهود إخوانه ملوك المملكة العربية السعودية، وسيكون - بإذن الله - خير خلف لخير سلف.