اعتدنا على أن يكون الحزن مرافقاً لوداع الأحبة، على الرغم من أن هناك تراكماً تراثياً معرفياً في ديننا الحديث، يحث على تداول محاسن الميت، مما يعني أن علينا أيضاً أن نفرح بمنجزاته، وأن ندعو الله أن يقبلها في صفحات أعماله الصالحة.
بالأمس، ودّعنا عبدالله بن عبدالعزيز، الذي انتقل إلى رب الرحمة والمغفرة. وكلما يكون الحديث عنه، أفرح بأمرين رئيسين؛ قربه من الفقراء وحرصه على تحريك كل المؤسسات لتوفير برامج الضمان الاجتماعي الملائم لهم، ودعمه لقضايا المرأة وتحويله إياها من الهامش إلى عمق القرار الإداري والدبلوماسي. وهاتان النقطتان لهما أهمية بالغة عندي، كوني قريباً من الشأن الاجتماعي والثقافي في آن واحد، وكونهما تكشفان الملمح الإنساني لهذا الرجل الصلب من جهة، والقريب الدمعة من جهة أخرى، وهذه قد لمستها بنفسي.
كان هذا في عام 2000م، بعد صدور أمر الملك فهد - رحمه الله - بأن تقوم المملكة بنقل جرحى الانتفاضة الفلسطينية من رام الله وغزة إلى مستشفيات المملكة، وتشرفتُ بأن أكون رئيس هذه البعثة التي ستقوم بهذه المهمة. وبعد وصول أول دفعة من هؤلاء الجرحى، قام ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز بزيارتهم في اليوم التالي، وكنتُ بالقرب منه، أشرح له تفاصيل الرحلة الأولى والرحلات التالية. وحينما شاهد الجريح الأول المنوم في العناية المركزة، وقد مزّقتْ شظايا رصاص العدو الإسرائيلي وجهه وصدرة وبقايا جسده، فاضت عيناه بالدموع، ورفع سبابته قائلاً:
- منتصرين بحول الله.
وانتصرت الانتفاضة.