لا يمكن أن يمر يوم واحد، دون أن نقرأ في الصحف عن حوادث مليئة بالعنف، من قتل وحرق وضرب وسلسلة طويلة ومخيفة من الأحداث العنيفة، بل لا يكاد يمر يوم على الأسرة الواحدة لا نجد فيه مشهداً من مشاهد العنف أقلها اعتداء طفل على آخر، وغير هذا من الأشكال التي نشعر - حقيقة - بأنها أحداث عنف وأحيانًا لا نشعر فهي تمر على الناس مرور الكرام وكأنهم اعتادوا على هذه المشاهد، وصارت جزءاً من طبيعة حياتهم اليومية.. وهنا المؤلم، أن تبدو هذه المشاهد عادية ولا تثير أي استهجان، كأن تقف في مكان عام وترى أباً يقوم بحمل طفله الذي لا يتجاوز ثلاث سنوات من ذراعه بطريقة مهينة وهو يؤنبه على شقاوته، مثل هذا المشهد كم نسبة الناس الذين يثير سخطهم من المتواجدين، بينما لو حدث في دولة من دول العالم الأول لتدخل الناس وطلبوا له الشرطة وحاكمه القضاء، وقد يتم أخذ الطفل منه ليعيش في أسرة بديلة تمنحه الحب والاستقرار بعيدًا عن العنف.. لذا لو وقفنا على أصل المشكلة وهي الشعرة الفاصلة ما بين التربية والعنف، والفكرة الذهنية التي تعود إلى جذور ثقافية تتساهل في ممارسة العنف!.
نحن ولغاية اليوم، لا نجد حملات توعوية حول العنف، ولا توضيحاً لبعض التصرفات التي تمر مرور الكرام دون تركيز على ماهيتها وتأملها وتصنيفها كأحد سلوكيات العنف، فعندما تقف في شارع أو أمام مستشفى ويكون هناك تكدس وزحام سيارات، وتجد أحدهم ضاغطًا على «بوري» السيارة دون أدنى شعور بالآخرين، ولا بالمرضى المنومين أو المراجعين للمستشفى، أليس هذا التصرف يُعتبر أحد سلوكيات العنف؟!
أوردت هذا التساؤل ضمن أمثلة بسيطة ومتكررة، لتوضيح عدد بسيط من مئات السلوكيات التي نعايشها دون أن نشعر بتصنيفها ضمن ممارسة العنف، هذه السلوكيات الدارجة في شوارعنا وأسواقنا ومدارسنا وحتى بيوتنا، تمر وتعبر دون تقييم، مع أن قليلاً من التأمل يؤكد على انتشار العنف بأشكال عديدة ومتنوعة، فليس بالضرورة أن يكون تركيزنا على سلوكيات الضرب والاعتداء باليد، لنؤمن أن هذا فقط هو العنف.
أتوقع أن العصبية وعدم التحكم بالنفس هما من أهم أسباب انتشار سلوكيات العنف المجتمعي، أضف إلى ذلك، الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة والخلل الثقافي في فهم النفس وفهم الآخرين وانعدام حالة الحوار، مما أودى باستخدام سلوكيات بديلة ترفع وتيرة العنف المجتمعي، ضمن أوضاع لا تستهجن هذه الممارسات ولا ترفضها، لأنها أصبحت ضمن السياق اليومي أفعالاً عادية، فالأم لا تخجل وهي تضرب طفلها في مكان عام، بل أحيانًا تشعر بالبطولة، والرجل لا يخجل وهو يرفع صوت «بوري» السيارة أمام المستشفى، ولا يخجل أيضًا وهو يعبر بسيارته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مع أن هذا التجاوز هو عنف نفسي لأصحاب السيارات الأخرى، وقد يصل إلى عنف جسدي في حال حدث تصادم بين السيارات!.
الابتعاد عن الشدة والعنف مع الطفل ليس تخاذلاً تربويًا، إنما هو تربية على الهدوء والتحكم بالنفس، وإيجاد جيل جديد يستهجن أخطاء جيلنا!.