بعد أكثر من 50 عاماً من القطيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا، تم إعادة العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما، واتخذت تلك الإعادة إجراءات عدة، منها فتح السفارات وإزالة كوبا من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، والسماح للأفراد بتحويل مبالغ مالية إلى كوبا مع السماح للأمريكيين باستخدام بطاقة الائتمان في كوبا ورفع قيود السفر. وتلك الإجراءات لم يتم التوصل إليها في فترة وجيزة، أو أن الاتفاق تم مباشرة بين الطرفين، بل كان هناك وسيط ثالث يعمل في سرية تامة وهما كندا والفاتيكان، واستمرت تلك المفاوضات لأكثر من سنة وتمثل مرحلة من مراحل التحول في العالم المعاصر.
والعلاقات بين البلدين كانت منذ 1903 حينما استأجرت أمريكا جزيرة «غوانتنامو» الشهيرة بمبلغ زهيد جداً، وهو ألفا دولار سنوياً ثم تم مضاعفة ذلك المبلغ 100% عام 1934، إذ بلغ 4085 دولار سنوياً تدفع مادامت أمريكا قادرة على الدفع.
والغريب أن تكلفة تشغيل المعتقل والقاعدة الأمريكية هناك وصلت إلى أكثر من 150 مليون دولار أمريكي.
ولعل العالم يقدر لكوبا هذا الصبر الطويل على القطيعة مع الجار الكبير أو القطب الكبير، بل إن التقدير لكوبا يجب أن يكون أبعد من ذلك بكثير، لأن موقف كوبا هذا له فوائد ونتائج غير مباشرة وغير متوقعة، حيث كان السبب الرئيس في اكتشاف شبكة المعلومات «الإنترنت»، وتمكنت وزارة الدفاع الأمريكية من ربط أجهزة الحاسب الآلي بين القواعد الأمريكية ووزارة الدفاع الأمريكي للرد على أي هجوم محتمل من العدو الصغير «كوبا»، وكانت تلك البداية البدائية للإنترنت، وحدثت بعد ذلك تطورات وتحولات للإنترنت حتي وصلت شبكة المعلومات إلى ما وصلت إليه الآن.
وكانت كوبا تقف في خاصرة إمريكا وتقف مع موسكو في كل أزمة وفي كل خطوة لأنّها تمثل النظام الشيوعي المعارض للنظام الرأسمالي، والذي تهاوت قلاعه الواحدة بعد الأخرى، ولم يتبق منه إلا قلعة كوريا الشمالية.
واتضح من تلك القطيعة بين كوبا وأمريكا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تفاوض مباشرة، بل يقوم بالدور الوسيط لأنها تمثل العقلية الاقتصادية والذي يحسب للوقت حسابه، فالتاجر الغني ليس لديه وقت للتفاوض.
والمسافة التي تفصل جزر كوبا عن أمريكا في حدود (150) كيلو متراً فقط، فهي في متناول الأقمار والأجهزة الأمريكية الأخرى، وبالتأكيد لم يحدث اجتياح أمريكي للجزيرة لأنها لا ترغب أن يكون ميدان الحرب بجوارها وتفكر بعقلية الربح قبل الخسارة ومن يتحمل فاتورة الحرب إذا حدثت، لذا الحصار كان الحل الأسهل.
وشاركت أمريكا خلال فترة القطيعة في حروب كثيرة لأن الميكنة الأمريكية العسكرية عندما تتحرك تحرك الكثير من المصانع خلفها، ومبدأ الربح والخسارة واضح للعيان، فقد أسهمت الآلة الأمريكية في إسقاط كثير من معاقل النظام الشيوعي في أماكن مختلفة في العالم، وبقي معقل واحد فقط لم يسقط كلياً وهو قلعة كوريا الشمالية.
بالتأكيد إن أمريكا إذا ضمنت الربح المالي سيأتي اليوم الذي تقول فيه أمريكا لكوريا الشمالية كش ملك.