أعتقد أن أحد أكبر المشكلات التي تواجهها المرأة في المملكة هي ولاية الرجل عليها كمحرم سواء كان أبا أو أخا أو زوجا أو أيا كان، وهذه الولاية (مثلها مثل موضوع المنع من قيادة السيارة) لا مثيل لها في أي بلد إسلامي فولاية البالغ العاقل الحر رجلا كان أو امرأة هي على نفسه، وهو كما شرفه الخالق بمسئوليته عن عباداته فهو أحق ان يكون مسئولا عن نفسه في دنياه المؤقتة، مما يعني أن فكرة الولاية مجرد عادة تتوسل الغطاء الديني لتبقى.
وحتى ندرك كيف يُستخدم هذا الحق المغتصب بعنوة حينما يقع في ايد باغية أو غير مسئولة (وهي للأسف كثيرة ولا نسمع ويكتب الا عن الطاغي منها الذي يضطر أصحابه إلى الوصول إلى السلطة طالبين النجدة)! مثل قصة هذا الاب الذي اغتصب ابنته عنوة لسنوات طويلة وفرت بناته الثلاث إلى مؤسسات الدولة طالبات الحماية منه ليأتي شقيقهن المدمن على المخدرات طالبا الحق في ولايتهن(؟!) أي منطق هذا؟؟ ولنقرأ معا:
تسلم فريق المحامين المتطوعين في اللجنة الوطنية لرعاية السجناء، ملف قضية أسرية شائكة وصفت بـ«الأكثر بشاعة»، وجار التعامل معها بمتابعة رئيس لجنة المحامين في اللجنة أشرف السراج. حيث قال المحامي السراج لـ«عكاظ»: إن وقائع القضية تتلخص في أن شابا مدمنا تقدم بطلب للمحكمة للحصول على صك ولاية على شقيقاته الثلاث اللاتي يرفضن ولايته؛ كونه صاحب سوابق في المخدرات، في حين يقبع الأب في السجن، تنفيذا لحكم بسجنه 13 عاما و2000 جلدة؛ بتهمة فض بكارة ابنته واغتصابها عدة سنوات.
وأضاف أن «الشقيقات لجأن للجنة تراحم لطلب المساعدة القانونية، وتسلمت اللجنة الملف وجار التعامل معه».
وطبقا للصك الصادر عن لجنة قضائية (تحتفظ الصحيفة بنسخة من الصك) فإن الأب أقر في البداية بأنه تكرر اعتداؤه على ابنته منذ طفولتها، وظل يمارس معها الرذيلة على مدى خمس سنوات، وتسبب في فض بكارتها، واعترف أنه كان يتحين خروج زوجته وأولاده من المنزل؛ ليتمكن من الاعتداء عليها، وكان يهددها بالضرب والطرد من المنزل حتى ترضخ لمطالبه ونزواته.
وأسفر التحقيق مع الأب عن توجيه الاتهام إليه بممارسة الزنا وفعل فاحشة اللواط بابنته منذ عشر سنوات تحت الضرب والتهديد، رافضا مواجهة ابنته أمام المحكمة، وطالب المدعي العام الحكم على الأب بحد الحرابة؛ كون ما أقدم عليه ضربا من ضروب الإفساد في الأرض وانتهاكا لأعراض المسلمين على سبيل الغلبة والقهر، وذلك للأدلة والقرائن الواردة في التحقيق والكشف الطبي وإقراره، وفي وقت لاحق تراجع الأب عن اعترافاته قبل النطق بالحكم، وتقرر درء الحد عنه وصدر حكم بسجنه 13 عاما و2000 جلدة.
وقال المحامي أشرف السراج: إن قضية الولاية ما زالت قيد النظر من قبل اللجنة التي تدعم وتساند الشقيقات الثلاث. مشددا على أن ما أقدم عليه الأب يعتبر واقعة غريبة وشاذة ونادرة ولا تمثل قيم وأخلاق مجتمعنا).
نعم، لنتمنى ان مثل هذه القضايا شيء شاذ ويجب ان تكون كذلك لأن بها مخالفة للطبيعة الإنسانية كما جبلنا عليها الخالق لكن الشاذ فيها أيضا أمران كما ارى: الأول ان المدعي العام طالب بحد الحرابة على هذا الاب الفاسد والذي رفض مواجهة ابنته في المحكمة وتم اثبات أقواله بالتحقيق وأيضا بالكشف الطبي الذي اثبت الاعتداء لكن الخوف من الموت جعله يتراجع عن أقواله ولذا حكم عليه بـ13 سنة و2000 جلدة ! مما يعني اقتناع القاضي بارتكابه الجريمة الشنعاء بدليل إيقاع العقوبة إضافة إلى الأدلة الطبية، فلماذا يخفف على هذا المفسد في الأرض؟
والثاني أن تبقى المرأة في مهب رياح الأولياء فتقاهم وحسن طباعهم يحفظ حقها لكن حين تقع في يد من لا يخاف الله فيها فلا حافظ لحقها الا حين تلاقي خالقها أو تنتشر رائحة الإساءة لها فتضطر السلطات الرسمية إلى التدخل مثل قضية هذا الأخ المدمن الذي لا نعرف في الحقيقة ماذا حدث منذ نشر الخبر وهل تم إقرار ولايته على أخواته أم تم رفضها ؟ اما ما تواجهه بعض النساء في المملكة مثل الارغام على زواج أو الحرمان من إرث أو الطلاق المجحف أو إساءة المعاملة الزوجية أو العنف الجسدي واللفظي أو الاستيلاء على مالها وراتبها وغير ذلك من متغيرات الحياة الحديثة فكثير جدا بحيث يصعب رصده حيث ان معظمه لا يصل إلى مسامع السلطات وتبتلعه المرأة خوفا من مزيد من الإساءة حين يكون هو وليها وتجنبا للفضيحة الاجتماعية التي ستغلظ عليها الإساءة من قبل هذا الولي. هنا يجب ان نصرخ بصوت واحد ضد هذا القانون الذي يعامل النساء البالغات العاقلات كقصر في حين تقوم مؤسسات الدولة المختلفة بالتأسيس لهذا القانون عبر سلطاتها الإدارية المشرعة والمقبولة في المؤسسات القضائية فلا تمكن المرأة من الحصول على عمل الا بولي ولا تحصل على جواز سفر الا بولي ولا تحصل على بعثة دراسية الا بموافقة الولي ولا تحصل على عمل الا بولي !.. هل يتصور الرجال أنفسهم في هذا الموقف حتى يدركوا حجم بشاعته؟ هل يتصورون أن يكونوا مربوطين في كل تحركاتهم وقراراتهم المصيرية بإذن ولي؟.
قبل أكثر من سنة رغبت في شراء سيارة ولم توافق الشركة وهي معروفة جدا الا حين وقع ابني على ورقة بان لا مانع لديه بان تمتلك والدته سيارة مع انني من دفع حقها؟!! وأرجوكم لا تقولوا لي بانها حالة مفردة ففي كل مؤسسة ترغب المرأة في اجراء اية تعاملات بها فسيسبقها طلب موافقة الولي سواء تعلق الأمر بدراسة أو عمل أو بنك أو سفر فهل هناك إجحاف أكبر من ذلك؟
إذا كنا نقول بان لا أصل لذلك في الإسلام كما ان القوانين تغيرت فلابد لنا من اقتراح إجراءات تكفل ضمان تطبيق حق المرأة في تدبير نفسها متى ارادت فكيف ذلك ؟ يمكنني اقتراح خطوات عملية سهلة التنفيذ وهي الاتي :
أولا الإعلان صراحة عن إساءة استخدام الولاية وخلط الدين بالتقاليد في هذا الامر بايضاح بطلان فكرة الولاية على المرأة البالغة.
ثانيا : ارسال خطابات صريحة من وزارة العدل إلى كافة مؤسسات الدولة والخاصة العدلية والقضائية والتعليمية والخدمية طالبة منها تنفيذ ذلك.
ثالثا: إيجاد لجان متابعة أهلية وحكومية تتعاون ما بينها وتقسم جهودها بين المؤسسات المختلفة لمتابعة الحالات التي تعضل فيها المرأة أو تعطل امورها بسبب المطالبة بإقرار موافقة الولي ولدينا كثير من الناشطين نساء ورجالا ولله الحمد في مختلف المناطق ممن هم على اتم الاستعداد للمساعدة في انشاء وتنظيم هذه اللجان .
رابعا: انشاء خط ساخن لتلقي البلاغات من النساء اللاتي يعانين من عضل الولي.
خامسا: القيام بحملة توعية في المدارس والجامعات للذكور والاناث معا للتعريف بطبيعة الوضع القانوني للمرأة ومساعدة النساء على تقوية انفسهن والتعود على تحمل مسئولية قراراتهن وعدم وضع الولي كعقبة تحد من تطلعاتهن.
لا أظن انه من الصحي لأية امة ان تبدد جهودها في مناقشات جانبية مثل قيادة المرأة وولاية الرجل، فالعالم يسير بسرعة مخيفة ونحن نتخبط في وحل هذا النمط السائد في حياتنا، متناسين ان هناك أخطارا هائلة تتربص بنا كأمة ليس أقلها انهيار أسعار البترول وبحث الشركات عن بدائل له كما يتهددننا خطر الإرهاب ونقص التنمية العلمية والثقافية والإنسانية، إلى غيره من القضايا الحرجة التي تناسيناها لنغرق في وحل صراع بدائي حول: هل المرأة انسان عاقل ام لا؟ وماذا يترتب على الاعتراف بكونها إنسان عاقل؟!.
وسنكمل الحديث حول هذه النقطة في الأسبوع القادم.