بعد سلسلة مقالاتي الماضية، والتي تحدثت فيها عن حجم التعاطف مع الجماعات المتشدّدة، وتحديداً تنظيم داعش، والذي يعيث فساداً، وينشر جرائمه على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الجرائم التي أصبح الناس يشاهدونها كوجبة يومية بكل برودة مشاعر، تواصل معي قارئ كريم، أعتز بمتابعته لما أكتب، رغم اختلافنا في كثير من وجهات النظر، وسألني تحديداً عن قضية موضوع التعاطف الشعبي مع التشدد، وعمَّا إن كانت حقيقة واقعة، فقلت له إن الجواب سهل، وما عليك إلا أن تراقب المشهد الاجتماعي، وربما حينها لن تحتاج إلى أن تسأل أحداً، وستجد النتيجة بنفسك، شريطة أن تكون موضوعياً، وحيادياً!
النهار لا يحتاج إلى دليل، فمن هم أكثر الدعاة شعبية حالياً، هل هم المتسامحون أم المتشددون؟ هل هم الذين يدعون إلى الهدوء والاستقرار، ويتحدثون عن أهمية الأمن، أم هم المحرضون، والمتشدّدون، والذين لا يعجبهم شيء هنا، في الوقت الذي يتعلقون بكل قشة تحدث في الخارج ليعيّرونا بها؟! وهل يستطيع أحد أن ينكر أنه كلما زاد تشدّد الشخص، كلما زادت شعبيته؟ وأن المتدين السلفي الوطني المخلص شبه منبوذ حالياً، وينعت بأنه «جامي»، على الرغم من أن الشيخ الجامي، رحمه الله، قد تمت تزكية من كل علمائنا الأجلاء الكبار؟ وهل يستطيع أحد أن ينكر أن هناك شعبية، حتى لمن هم موقوفون بتهم الإرهاب، بمن فيهم من قال الشرع فيهم كلمته، ومن لا يعرف ذلك فعليه أن يجرب بنفسه!
هل سبق أن جاءت سيرة الفئات الضالة في مناسبة اجتماعية، وتفحصت وجوه الناس، وراقبت ردود أفعالهم، وأحياناً لا يكون لزاماً على الشخص أن يصرح بتوجهاته الحقيقية، فهناك ما تقرأه في الوجوه، وهناك «اللغة الملغومة»، وهي اللغة المخاتلة المخادعة، والتي أشرت إليها في مقال سابق، ومن علاماتها «اللكننة»، أي أن تدين الإرهاب ظاهراً، وتدعمه باطنا، فمعظم مشكلاتنا سببها «القعدة»، أو من يتولون التنظير، وهؤلاء لهم في كل عرس قرص، ولا يجاريهم أحد بالتعتيم، والتعميم، والمخادعة، فألسنتهم مع الوطن، وسيوفهم وخناجرهم عليه، ولا فرق بين سيف يقتل، ويسيل الدماء، وفكر يصنع الكثير من القتلة الجدد، وقد قرأت قبل كتابة هذا المقال عدة تغريدات لشاب، كان يتحدث عن صديقه اليافع، الذي قتل في سوريا، تحت إحدى الرايات السوداء التي تعيث فساداً في أوطاننا وشبابنا، وقد قال هذا الشاب إن أكثر ما يؤلمه هو أن الذين غرروا بصديقه، وقادوه من الاعتدال إلى التطرف الذي أنهى حياته، يستمتعون حالياً بإجازة ترفيهية في إحدى الدول الراقية!! وأختم بالقول لصديقي المتسائل، ولغيره: «نعم، هناك فكر متطرف ينخر بالمجتمع، وهناك تعاطف مع التشدد والمتشددين، وما لم يعالج هذا الفكر بشكل عاجل وجاد فلن تنتهي مأساتنا مع الإرهاب».