شهد يوم 24/ 12 / 2014م حدثاً هاماً بعد قرار شركة سوني وبدعم من السلطات العليا في الولايات المتحدة عرض فيلم (المقابلة) بطولة جيمس فرانكو وسيث روجن الذي يحكي قصة صحفيين يحاولان الحصول على مقابلة مع بعض الديكتاتورين أو الإرهابين وكان بالطبع رئيس كوريا الشمالية أبرزهم.
وتأتي أهمية هذا العرض مما سبقه من أحداث توالت خلال الثلاثة الأسابيع الأخيرة التي أربكت أمريكا (وبقية دول العالم) ونبهتم إلى الخطر الداهم في التكنلوجيا وأنها وبقدر ما تمدنا بإمكانيات لا حدود لها وتفتح عوالم كبيرة أمامنا إلا أنها في الوقت نفسه تمثل خطراً مستمراً يمكن أن يهدد دولة كبيرة وقوية مثل الولايات المتحدة.
لماذا كل هذا اللغط؟ لأن قصة الفيلم الذي صرفت شركة سوني 44 مليون دولار لإنتاجه مبنية في نهايتها على فكرة محاولة الإطاحة برئيس كوريا الشمالية كيم جان يان وقتله.
لكن بعد الإعلان عن مواعيد عرض الفيلم فوجئت شركة سوني باختراق كامل نظامها الإلكتروني والدخول على البريد الإلكتروني لمن يعملون فيها من المدراء الكبار والعاملين والممثلين والممثلات ونشر كل محادثاتهم وأرقامهم الشخصية وأرقام حساباتهم وبطاقاتهم البنكية على الشبكة الذكية كما أرسلت رسائل تهديد للشركة محذرة إياها من عرض الفيلم وإلا فعليها أن تتوقع الأسوأ حيث سيكون هناك تفجير إرهابي في دور السينما التي تتجرأ على عرض الفيلم وأن على الولايات المتحدة توقع هجوم إرهابي يذكر (كما قال الهاكر) بما واجهته أمريكا خلال أحداث سبتمبر المشؤومة عام 2001.
كان الأمر قاسياً جداً على كبرياء دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة التي فوجئت بالتهديد في عقر دارها وأن العالم الآخر هو من يتخذ القرار وليس شركة سوني الأمريكية. وكانت الأسابيع الثلاثة التي تلت التهديد من أصعب الأسابيع للعاملين في هذه الشركة فما من دار عرض قبلت بالفيلم كما قال رئيس سوني عند ما قابله فريد زكاريا في برنامجه المشهور ولا يوجد منفذ آخر يقبل المخاطرة بعرض الفيلم أو تسويقه وتم تأجيل الفيلم حتى تتضح حقيقة الموقف. غير أن ردة فعل الناس كانت غاضبة جداً ومثلها ما قاله مقدم البرامج الحوارية المشهور جيمي كاميل في برنامجه بأن إتاحة فرصة لديكتاتور مثل جيم كان يان ليتحكم فيما يعرض أو لا يعرض داخل بلادنا وما الذي نستطيع أن نراه أو لا نراه فهذا أمر لا يتفق مع قيمنا التي نعيش في ظلها.
بالطبع هناك وجهات نظر أخرى تقول بأنه لم يكن من المفروض أن يقوم الفيلم (وهو كوميدي) على فكرة محاولة قتل زعيم دولة حتى ولو كانت ديكتاتورية مثل كوريا الشمالية والتي تضع لاحترام زعيمها وزناً كبيراً أكثر مما تتفهمه أو تتصوره الثقافة الأمريكية خاصة وأن الناس سوف تأتي وتضحك على الفيلم ثم على رئيس الدولة المذكورة مما يعد قلة احترام وعدم توفر الحساسية المطلوبة عند التفاعل مع الثقافات الأخرى.
لكن وبعد أن تأكدت المخابرات الأمريكية بأن هذا الاختراق تم فعلا من قبل مجموعات خارج الولايات المتحدة وتحديداً في الصين وذلك لصالح كوريا الشمالية تقدم الرئيس الأمريكي بنفسه ليوضح حقيقة ما جرى وليشجع شركة سوني على عدم الخضوع للتهديد الخارجي وهكذا كان حيث سيتم عرض الفيلم بدءاً من اليوم: يوم رأس السنة الذي يعد أحد أهم الأعياد الدينية لدى المسيحين وهو مربوط بالفرح والعطاء من خلال الهدايا التي يتبادلونها وهو مناسبة للسلام والصلح مع الآخر وعكس ما يرمي إليه هذا التهديد.
ولكن السؤال هو: هل سيذهب الناس فعلا لدور السينما وهم يعرفون أن هناك احتمالاً لهجوم عنيف مثل الذي مرت به أمريكا قبل ثلاثة عشر عاماً وحصد أكثر من ثلاثة آلاف مواطن رغم أنه وعلى الجانب الآخر فقد حققت الأحداث والمناقشات التي تلت التهديد دعاية مجانية للفيلم وإبطاله وأصبح الجميع في شوق لرؤية الفيلم الذي أثار كل هذا الجدل؟
الحادثة في حد ذاتها تذكرنا بهشاشة عالمنا السري الذي أصبح مكتوباً ومتداولاً منذ دخلت التقنية في حياتنا ولننظر حولنا فنكاتنا وصورنا وأحاديثنا الخاصة وصراعاتنا وانفعالاتنا كلها موجودة ومتاحة لأي مخترق شاطر من خلال عدد كبير من البرامج التي يستخدمها البلايين عبر العالم مثل تويتر والواتس اب أو البريد الإلكتروني أو الانستجرام وباث وسناب تشات وغيرها.
ولم يعد التهديد قاصراً على الأفراد فقط بل أصبح هناك ما يسمى بهجوم السايبر المدعوم من قبل حكومات ضد حكومات أخرى كما تظهر لنا حالة فيلم المقابلة المذكور.
هنا تأتي أسئلة أخلاقية كثيرة ذات علاقة باستخدام الإنترنت في كل تعاملاتنا الشخصية والعامة فإلى أي حد يمكن للشركات بشكل عام (عند توظيفها لأي أحد وخاصة في المناصب العليا) من توظيف لمهارات المخترقين والحصول على كافة المعلومات عن المرشح وحتى الشخصية جدا مثل ماذا يقرأ وماذا يتابع كل يوم ورسائله لأهله وأصدقائه؟ ما هي حدود الاختراقات الأمنية على مستوى الدول ونحن وقبل فترة قصيرة تداولنا الفضيحة الكبرى للولايات المتحدة التي كشفتها دول أخرى مثل اختراق جوال أقوى امرأة في العالم ميركل الألمانية والرئيس الفرنسي... إلخ، وبالطبع قبله قنبلة سنودن التي كشفت الكثير من وثائق الولايات المتحدة ومعظمها تجسسي على الدول الأخرى.
بالطبع لا توجد أجوبة جاهزة لهذا النوع من الأسئلة فلا أحد يستطيع اليوم أن يعيش من غير إنترنت ولا يمكن لعمل أن يقوم من غيره لكن تفهم كيفية هذه الاختراقات وتعلم كيفية مقاومتها أو حماية نفسك أو دولتك يبدو الآن أهم من تعلم مهارات جديدة لبرامج جديدة في الإنترنت وحمانا الله من أشرارهم جميعاً.