- تخوض بلادنا الغالية معركةً متعددةَ الجبهات تمتد عبر أشهر العام لملاحقة المقيمين إقامةً غير نظامية، تبدأ في ساحات المدن وطرقاتها وحواريها، وتمتد إلى تضاريس الحدود مع بعض الدول المجاورة، وفي العمق الداخلي عبر متاهات الجبال والوديان، وقد أثمرتْ الجهود المبذولة نتائجَ تحدث عنها الخاص والعام من الناس إعجاباً وتقديراً، متمنيّن لها الاستمرار مقروناً بالتوفيق.
- لكن تبقى قضيةُ المقيم في البلاد إقامةً غير شرعية صداعاً مؤرقاً لكل معنيّ بهذا الأمر، وطناً ومواطناً وأجهزةً أمنية وإدارية، والتعامل معه لا يمكن قهرُه في شهر ولا شهرين، ولا في عام أو عامين، بل يتطلب علاجاً مركّباً تتضافر فيه كل الجهود وكل الجهات، خاصة وعامة، ولذا، فإن التصدّي له من الأمور التي تمارسُ البلاد من خلالها سيادتَها وكرامتَها حماية لأمن ومصالحَ أبنائها.
لماذا تحوَّل هذا الموضوع إلى ظاهرة؟
أولاً:
- إنّ المملكة هي قبْلةُ العالم الإسلامي، يُؤمّها ملايين المسلمين كل عام عَبْر المواسم الدينية، حجّاً وعمرةً وزيارةً، والمشكلة هنا أن يُسرَ وسائل النقل الحديث، وازدياد حجم الاستيعاب في المشاعر المقدسة بفعل مشروعات التوسعة والتطوير الضخمة التي تنفذها حكومة خادم الحرمين الشريفين أيده الله، وتنامي الشعور الديني في كثير من الديار الإسلامية، كل ذلك حوّلَ معظمَ أشهر السنة إلى مواسم دينية، بدْءاً من شهر صفر، وانتهاءً بشهر رمضان المبارك، ثم تحلّ فترةُ الحج، بدءاً من منتصف شوال تقريباً لمَنْ أراد أنْ يقرنَ الحجَّ بالعمرة تمتّعاً، وتستمر حتى نهاية محرم من العام التالي.
ثانياً:
- ما دام الأمر كذلك، ستظل المواسم الروحية، سبباً قوياً لتدفق مئات الآلاف من البشر سنوياً إلى بلادنا عبر ثغورها المختلفة الجوية والبرية والبحرية، ولو كان الغرضُ من قدومهم قاصراً على أداء الشعيرة الدينية فحسب، ثم يعودون من حيث أتوا، لهَان الأمر كثيراً، لكن أعداداً منهم (يقررون) البقاءَ لسبَب أو لآخر، وبخاصة الفئات المنتمية منهم إلى مجتمعات فقيرة، يأتي أحدُهم إلى المملكة تسيّره الرغبة في إدراك الحُسنْييْن: أداء الشعيرة الدينية، وطلب الرزق، اقتداءً بما تواتر في مجتمعه من أنّ لدى المملكة وشعبها سيولةً ماليةً ضخمةً، وفرصاً وظيفية أكثر وفرة ممّا في سواها من البلدان!
- إنّ أيّ حلّ يُرجَّح للتعامل مع هذه الظاهرة، لا بد في تقديري المتواضع أن يقترن بالتالي:
1) دقة القواعد النظامية وملاءمتها للتطبيق، والحزم في تطبيقها، دون استثناء.
2) وجودُ قدر كبير من التنسيق الوثيق بين جهَات الاختصاص المعنية بهذا الموضوع، مع ضرورة حصر تلك الجهات، منْعاً لنشوء ازدواجية في الإجراء.. أو تنازع فـي الاختصاص.. أو تضارب في النتائج.
3) محاسبة المقصَّر في تطبيقها، جهةً كانت أو أفراداً.
4) إخضاع القواعد للمراجعة والتقويم دورياً لمعرفة مدى ملاءمتها وفاعليتها نصّاً وتطبيقاً.
- تبقى بعد ذلك كفّةُ المواطن.. في هذه المعادلة الشاقة.. وهي متمَّمةٌ لجهود الدولة في هذا السبيل، وبدونها سيكون العملُ مبتوراً، لأن المواطن الذي (يتَستّرُ) على متخلّف تسهيلاً لدخوله إلى البلاد أو إيواءً له أو توظيفاً أو ابتزازاً لحاجته، يرتكب أكثر من مخالفة خُلقية ووطنية وإنسانية، ويسيء إلى كرامة هذا البلد، ويسخّر حاجة المحتاج من خلق الله لمصلحته هو، بلا رادع من دين ولا واعز من ضمير! وهو بهذه الممارسة الخبيثة (يخون) (عهد) المواطنة بتمكين وافد أو أكثر من الإقامة في البلاد إقامةً غير شرعية، مثل هذه الشريحة من البشر يجب التعامل معها بحزم رادع، وليَس بالنصائح والمواعظ وما تنثره (موائد) الكلام، مسموعاً أو مقروءاً!
وبعد..
- أيها المواطن العزيز، الدولة - رعاها الله - أدت دورها الوطني والإنساني والإداري حيال هذه الأزمة، فماذا فعلت أنت؟! هل تظل الدولة وحدها تحمل راية الردع لإفرازات الكتل البشرية الوافدة إلى هذه البلاد حجاً وعمرةً وزيارةًَ، ثم تبقى أنت في شرفة المتفرجين أو المنتقدين أو الشامتين؟! إن لك نصيباً وافراً من المشاركة في حماية بلادك من طفيليات الهجرة غير المشروعة إلى بلادك تحت أي راية أو ذريعة! مساندتك لجهود الدولة فعلاً لا قولاً فحسب واجب يمليه الانتماء إلى هذا الوطن الغالي، والتقصير في هذا الواجب، عملاً وإصراراً، خيانة وطنية.