كان واضحاً، منذ سنوات طويلة، أن معظم التطرف الإسلامي يتركز في البلاد الأوروبية، ويتم التنظير له في مساجدها، ومراكزها الإسلامية، ولا تخطئ العين مظاهرالتطرف في العواصم الغربية، فمن متظاهرين في كوبهاجن ينشدون رفع علم الخلافة على مبنى الحكومة، إلى مثلهم في شوارع لندن وباريس وبون ومدريد يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، إلى مناكفات المتشددين مع السلطات الغربية، وهي أحداث تنقلها وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، ولا أعتقد أنه كان يخفى على الأوروبيين ما يدور خلف الأبواب المغلقة، فهي بلاد متقدمة، تتابع كل صغيرة وكبيرة تدور داخل حدودها، وتتبادل المعلومات الاستخباراتية في عموم أوروبا، فمن هم هؤلاء المسلمون الأوروبيون؟!.
معظم هؤلاء المسلمين المهاجرين إلى أوروبا رحلوا إليها هرباً من القمع والاضطهاد في بلدانهم الأصلية، وفتحت أوروبا لهم أبوابها، ومنحتهم الخدمات التعليمية، والصحية، والمساعدات المالية من أموال الضرائب التي تستقطعها من رواتب أبناء البلاد الأصليين، كما ساهمت في بناء مساجدهم، ومراكزهم الإسلامية، ومدارسهم الخاصة، ومع أن بعضهم كان ممتنا لهذه الخدمات، إلا أن بعضهم الآخر منهم جند نفسه للحرب على تلك البلاد التي ساهمت في استقرار حياتهم، وهذه الفئة هي التي خرجت مقاتلي تنظيم داعش الأوروبيين، وتخرج في صفوفها هؤلاء الشباب الذين قاموا بالعمل الإرهابي ضد الصحيفة الفرنسية، وهو الحدث الذي يذكرنا كثيراً بأحداث سبتمبر في نيويورك، وبالتأكيد سيكون له ما بعده من تبعات مؤلمة على الإسلام والمسلمين في عموم العالم الغربي!.
قبل عدة سنوات، وأثناء عملي عميداً بجامعة الملك سعود في الرياض، دلف إلى مكتبي شاب من أصول أفريقية، ويحمل الجنسية السويدية، وذكر لي أنه كان يعيش فقراً مدقعاً في طفولته في الصومال، ويعيش في خيمة بالعراء، ثم جاء رجل سويدي وزوجته يحملون مساعدات للاجئين، وقاموا بتبنيه، ونقلوه معهم إلى مدينة استوكهولم، حيث عاش معهم في منزل فخم، وقدموا له حياة كريمة، ولم يحاولوا أن يدعوه إلى دينهم، بل إنهم - حسب كلامه - دعموه وساعدوه في ارتياد المركز الإسلامي في استوكهولم، وما لفت نظري هو أن هذا الشاب كان يتحدث عن والديه بالتبني وينعتهم بالكفار!!، وعندما عاتبته، قال: إن القائمين على مسجد استوكهولم أخبروه بأن والديه « كفار»، وأن مهمته هي أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن استجابوا، وإلا فعليه أن يهجرهم، فقلت له مازحاً: الحمد لله أنهم لم يطلبوا منك أن تقتلهم، فقال إنهم قريبون من ذلك، وكان جاداً في ذلك!
لقد كتبت أكثر من مقال عن هذه القصة، وتحدثت عن خطورة التشدد الإسلامي المنتشر في طول أوروبا وعرضها، وها نحن نرى نتائجه الآن، وأقول لمن احتفل بالحادثة الإرهابية في باريس:» إن هذه الحادثة ستغير التعامل مع المسلمين في الغرب، وستصدر قوانين مشددة، فلن يتم منح أي مسلم جنسية أوروبية مستقبلاً إلا بشق الأنفس، هذا إذا تم منحها، كما سيتم استصدار قوانين تسمح بسحب الجنسية من كل مسلم يثبت تشدده، وستكون هناك رقابة مشددة على المساجد والمراكز الإسلامية، وربما يتم إغلاق الكثير منها، كما أتوقع ألا يسمح ببناء المزيد منها، وهكذا يتسبب التشدد في الجناية على الإسلام، وعلى المسلمين في كل أصقاع الأرض، خصوصاً في الغرب، والذي كان متسامحاً مع الإسلام والمسلمين أكثر من بعض الدول الإسلامية، فالله المستعان!