* ما من أمة في الأرض إلاّ وتشكو من داء خبيث اسمه الفساد، وإن تلوّنت أنماطه وتعدّدت غاياته، على نحو أو آخر، وهو داء يبدأ وينتهي بالإنسان، فهو داؤُه إنْ اعوجّ خلقُه، وهو دواؤُه إن استقام!
* * *
* لم يُعرف بعد، وقد لا يعرف أبداً، (مضادُّ) قوي لاقتلاع جذور هذا الفساد، ووضع حد لخبثه، كما في أمراض البشر، لكن هناك (وسائل) لاكتشافه، والتقليل من آثاره، وربما ردعها في بعض الأماكن بعض الأحيان! وهو قبل وبعد كل شيء، (داء) متى استفحل وجودُه وعظم أذاه، حال بين الشعوب وتحقيق أهدافها السامية على نحو يرضي طموحاتِها، الدقيقَ منها والجليل!
* * *
* إذن، فلئن (استحالت) سبُلٌ اجتثاث داء الفساد من جذوره، وذاك حلم لا علم، تبقى بعد ذلك سبل (ممكنة) لـ(تقليم) أظافره، وتقليص أو تخفيف آثاره. منها، تمثيلاً لا حصراً، ما يلي:
أولاً: الاعترافُ بدْءاً بوجود مشكلة فساد، من لدن من يعنيهم أمرها، ووضعها في حجمها الصحيح بلا تهويل ولا تهوين، وبدون هذا (الاعتراف).. فلن يجدي لها دواء ولن يُرجى منها شفاء!
* * *
ثانياً: محاربة الفساد مباشرةً في عقر داره عبر جرعات حادة ومنتظمة لا استثناء فيها من الجزاء العادل والرادع لفاعليه، مع اقترانه بإشهار فعلهم عقاباً لهم وردعاً.
* * *
ثالثاً: شن هجمات (استباقية) وقائية على المعاقل المشبوهة بداء الفساد، صدّاً لدائها، ووأْداً لآثارها.
* * *
رابعاً: التعرف الدقيق عن كثب على الأسباب والحيثيات والمواقف التي نشأ في كنفها الفساد: فعلاً وفاعلين ومحرضين عليه أو وسطاء له، وتكثيف ما يتطلبه الأمر من قواعد نظامية وإجراءات إدارية أو تعديل ما هو قائم منها.. بقصد تجفيف (منابع) المشكلة، واجتثاث بعض جذورها ما أمكن.
* * *
خامساً: وضع آلية من الحوافز المادية والمعنوية المجزية يُثَاب من خلالها من يشارك في محاربة الفساد، سواء بالفعل المباشر، لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، أو الإبلاغ عنه وذاك أضعف الإيمان، ولنا في حديث رسول الله الأعظم، أسمى قدوة في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً ....) إلى آخر الحديث الشريف.
* * *
سادساً: حثُّ الدعاة وأئمة المساجد وخطباء الجمعة المؤهلين على التنديد بهذه الظاهرة والتحذير من عواقبها، دنياً وآخرة.
* * *
وبعد..،
* ففي تقديري المتواضع أنه يكاد يتعذّر القضاء على الفساد قضاءً شاملاً وكاملاً ومنصفاً، فهناك من أعوان الشر. (وسماسرة) الضمير و(تجار) المصالح من يعيشون طلقاء، بلا رادع ولا رقيب.. يتربصون بالبُنْية الإدارية بحثاً عن (ضعفاء نفوس) هنا أو هناك، يمرّرون من خلالهم رسائلهم ووسائلهم وغاياتهم الدنيئة، ويستثمرون ثغرات الخلل في الأداء أو التنظيم أو النفوس المحْبطة لهذا السبب أو ذاك إدراكاً لغاياتهم.
وكلما أصاب الإدارة ترهلٌ في الإجراءات أو تشتت في الصلاحيات أو وهن في الإشراف أو عزّ التناغم بين مستويات السلطة العليا والوسطى من جهة، وبين هذه والقاعدة التنفيذية في الجهاز، كان ذلك سبباً في تسلّل (دودة) الفسَاد إلى الجهاز، مرةً تلو الأخرى!
* * *
* أخيراً، حمَى الله إدارتنا وأفئدة القائمين عليها من ضيْر الفساد وضَرره، وألهمهم الحكمةَ والقدرةَ والوسيلةَ لمكافحته، إنه سبحانه سميع مجيب.