كما عانى، وما زال يعاني، آلاف المسلمين في مختلف الولايات الأمريكية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، نتيجة التفجيرات الإرهابية المدمرة، والتي مات على إثرها مواطنون أمريكان، بينهم مسلمون، سيعاني مسلمو فرنسا كثيراً بسبب الاعتداء الأخير على صحيفة «شارلي أبيدو» الذي قُتل على أثره إثنا عشر شخصاً في الصحيفة بينهم مسلمان، لكن الإرهاب ليس له جنسية، ولا يعترف بضحاياه، أو يفرز جنسياتهم أو أديانهم ومذاهبهم!
هذه الصحيفة التي أثارت مشاعر المسلمين برسومات مسيئة وساخرة، تحت تبرير حرية التعبير الذي تؤمن به فرنسا، وتدافع عنه، كان تجاهلها هو أفضل أنواع التعامل معها، فلن يضر الإسلام، ولا المسلمين، كلمات أو رسومات تنشر هنا أو هناك، فقد كان نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، يتعرّض للأذى المباشر، فيصفح ويتجاوز، ويكسب بسلوكه وتسامحه كثيراً من أعدائه، حتى اتسعت رقعة الإسلام وكثر معتنقوه!
بعد هذه الأحداث في بلد كفرنسا، لم يجف حبر اعترافها بالدولة الفلسطينية بعد، ماذا نتوقع منها، وماذا سيحدث في مواقفها؟ وما الذي سيحدث - إن لم يكن حدث فعلاً - على المستوى الشعبي؟ من اعتداءات على مساجد، وعلى مواطنين مسلمين؟ ومن المستفيد من هذا كله؟
لم تكد إسرائيل تقدم احتجاجاً على قرار تاريخي اتخذته دولة السويد يتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية، حتى صوّت البرلمان الفرنسي في خطوة مهمة، بالاعتراف رمزياً بدولة فلسطينية، فاستبشرنا كثيراً، وشعرنا بأنّ الزمن تغير، وأنّ الحق يعود لأصحابه ولو تأخر طويلاً، وأن إسرائيل ستدخل في عزلة دولية، نتيجة ممارساتها العنصرية، واحتلالها الغاشم لأراض عربية، لكن مكافأة فرنسا جاءت سريعاً، بهذه التفجيرات التي لا تخدم أحداً كما تخدم إسرائيل، ولا تضر أحداً كما تضر قضايا العرب والمسلمين، وتبقيهم في خندق الإرهاب الذي علق بهم منذ الحادي عشر من سبتمبر!
فمن هؤلاء الذين يؤدون أدوراً غامضة، تؤدي إلى نتائج لا يخفى على أحد آثارها، ولا من تخدم؟ ومن تؤذي؟ فالتاريخ يثبت، وعبر تجارب عديدة، أنّ هناك عناصر تؤدي أدواراً باسم العرب والمسلمين، تكون نتائجها وبالاً عليهم، وعلى قضاياهم في العالم، ها نحن نعيش في مناطق محروقة في العالم العربي، وها هم المشردون والمهاجرون العرب والمسلمون يملأون دول أوروبا، ورغم أنهم ظفروا بالأمان والطمأنينة، إلاّ أنّ معظمهم لم ينصهر في هذه المجتمعات، ولم يتحول إلى مواطن منجز ومؤثر في هذه الدول، وإنما تحول إلى وقود يحترق، ويدمر، فلا يضر سوى نفسه ومستقبله وقضيته!