من قرأ ردود فعل المتابعين، أو المشاهدين، على خبر إعلان الممثل فهد الحيان، اعتزال التمثيل، يكتشف كماً كبيراً من السخرية والتقليل من شأن تجربته الطويلة في الفن، وكأن ما قام به من أعمال تلفزيونية، سواء في القناة السعودية، أو فيما بعد، في قنوات أخرى، بعدما أنشأ مؤسسة فنية مستقلة، تقوم بأعمال تلفزيونية من تمثيله وبطولته!
لن أتحدث عن تجربة الممثل الحيان، التي أرى نجاحها الوحيد في العمل ضمن فريق (طاش ما طاش)، وإنما عن يقين الممثل السعودي، بأنه عبقري، يملك مواهب التمثيل والكتابة والإخراج، وإدارة مؤسسة فنية، بينما الطبيعي أن يكون الممثل ممثلاً فحسب، يطور إمكاناته وقدراته، ويعتني بموهبته، ويبحث عن النص المميز، ليس المكتوب لأجله، وإنما النص الذي يستطيع استخراج قدراته الكامنة، لا أن يكتب الممثل لنفسه، ويقوم بإخراج العمل بنفسه، حتى وإن كان يستعين بمخرج منفذ!
لا شك أن أسوأ ما في الأمر، أن الممثل السعودي يقحم نفسه بكل شيء، ويظهر كما لو أنه العارف الوحيد، وهو من يملك الوعي واليقين المطلق، إلى أن يكتشف متأخراً فشله في جميع المهام... لماذا نجح القصبي والسدحان في طاش؟ لأنهم اكتشفوا ممثلين، ومنحوهم أدوراً مناسبة لهم، من بينهم الحيان نفسه، وغيره كثير... كذلك اهتمامهم بفتح الكتابة لمختلف المواهب، ووضع ورشة عمل للكتابة، حتى إن بعض الحلقات لم يشاركوا فيها رغم نجوميتهما، بمعنى أنهما ليسا هما من يفرض وجهيهما أبداً على الشاشة، وعلى المشاهد أيضاً.
ولعل قرار التلفزيون السعودي هذا العام، عدم توزيع (الغلة) السنوية على أعمال تلفزيونية متواضعة، لا يعرض نصفها على الشاشة، بل تبقى في الأرشيف، رغم دفع الملايين عليها من خلال تعميدات سنوية معروفة للجميع.. هو قرار يستحق التوقف، حيث سيقوم هو بنفسه بإنتاج عمل واحد فقط، ورغم أهمية ذلك، إلا أن ذلك قد يحمل فشلاً جديداً، ما لم يتكئ على خبرات إدارية وفنية ممتازة، حتى تحقق ما حققته بعض أجهزة التلفزيون في دول الخليج، خاصة تلفزيون الكويت، الذي أنتج أهم المسلسلات الكويتية، وعلى مدى عشرات السنوات، بينما فشل تلفزيون دبي في إنتاج أعمال ضعيفة المستوى، رغم ضخامة الميزانيات المصروفة، وذلك بسبب عدم توفر خبرات قادرة على المراجعة والتقييم.
ومن الطبيعي أن جمع الممثلين النجوم في عمل تلفزيوني واحد، لا يضمن بالضرورة نجاح هذا العمل، كما يتوقّع البعض، فما يضمن أولى خطوات النجاح، هو النص الجيد، فما لم يكن النص متميزاً، لن ينجح العمل، حتى ولو جمعتم له نجوم السينما العالمية، وأحضرتم له أفضل المخرجين، ودفعتم عليه عشرات الملايين، فمتى كان النص ناجحاً، فهو مؤشر أولي للنجاح، ويكتمل النجاح بحضور مخرج متميز، يختار طاقم تمثيل يلبي حاجة النص، وليس العكس، البحث عن نص يلبي حاجات الممثلين، وهذا للأسف ما فعله معظم نجوم التمثيل لدينا على مدى سنوات!