لا أعتقد، أن فرنسا واجهت تهديدا إرهابيا أكبر مما تواجهه - اليوم -، فبعد أن تمّ إعدام الرهينة الفرنسي «هفري كوردال» من قبل جند الخلافة التابع لتنظيم «داعش» الإرهابي، يأتي الاعتداء الدامي الذي استهدف - صحيفة - شارلي ايبدو - الفرنسية الساخرة -، أشد دموية في فرنسا - في العقود الأخيرة -، والذي أدى إلى وقوع العديد من الضحايا، والمصابين.
تشير الأرقام الأولية التي كشفت عنها السلطات الفرنسية، والتي تنذر بمدى ضخامة التهديدات المحتملة التي تواجهها فرنسا، على أن هناك نحو «390» متشدداً فرنسياً، يشاركون - اليوم - في المعارك ضمن جماعات جهادية في سوريا، والعراق، كما يُعتقد أن «231» آخرين في طريقهم إلى هناك. ووفق تلك الأرقام، فقد قُتل «51» - على الأقل - من الفرنسيين في تفجيرات انتحارية، وفي عمليات قتالية - بكلا الدولتين العربيتين -، بينما غادر «234» فرنسياً مواقع القتال، عاد منهم «185» إلى فرنسا. - وإضافة - إلى الأرقام السابقة، فقد ذكرت الشرطة الفرنسية، أنها: «تمكنت من ضبط خمس مؤامرات إرهابية، تستهدف الدولة الأوروبية - منذ صيف 2013م -».
في تقديري، فإن الهجوم الإرهابي سيزيد من حدة الصراع بين مكونات المجتمع الفرنسي، وسيعمل على تغذية كراهية أشد ضد المسلمين، وتحميلهم وزر الترويع، وشناعة الجرم الذي طال فرنسا، - خصوصا - إذا دخل اليمين الفرنسي المتطرف على الخط؛ خدمة لمآربه السياسية؛ وليعمل على إشعال الأزمة التي تمر بها البلاد، في ظل تعقيدات فرنسية - داخلية وخارجية -، وسيعمد - بلا أدنى شك - على تصوير المسلمين كتهديد للوحدة القومية، والتماسك الوطني، وتحريفه لنمط الحياة المحلية، وهو ما عبّر عنه عبد الله زكري - رئيس مركز مكافحة الإسلاموفوبيا -، عندما حذّر من حرب أهلية في فرنسا؛ بسبب تنامي الخطاب المتطرّف، الذي يستهدف الجالية المسلمة في فرنسا، البالغ تعدادها «5» ملايين نسمة.
أكثر من ذلك، فإن تأليب الرأي العام الفرنسي، والقوى السياسية، - ولاسيما - في ظل استبداد القلق بهم، سيعمدون إلى تغذية المناخ العام بجملة من الأحكام المسبقة، والتي ستنعكس سلبا على أكثر من عشرة ملايين مسلم، يعيشون في قارة أوروبا، بل ويحملون جنسيات بلدانها، فما بالك وقد توافق التوقيت الزمني للعمل الإرهابي مع الظروف الحساسة التي تعيشها فرنسا قبل الحدث الإجرامي، والمتسم بأعلى درجات الحذر على مستوى الأجهزة الأمنية الفرنسية، الأمر الذي سيعزز من كارثة الحدث في ظل تنامي ظاهرة «الإسلامو فوبيا»، والتي اختزلت في أيديولوجية ترتبط بنظرة اختزالية، وصورة نمطية للإسلام، ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا، كمجموعة منغلقة على ذاتها، ومحدودة، تؤمن بقيم رجعية تحض على العنف، والاختزال، والنظرة السلبية للآخر، وترفض العقلانية، والمنطق، وحقوق الإنسان.
سنبقى دائما في ساحة حرية الرأي، الذي يتجنب الإساءة إلى الأديان السماوية، بطريقة تستثير الجماعات المتشددة - هنا وهناك -؛ حتى ترتد في المقابل على شكل تفجيرات انتحارية، وهجمات دموية. - وبالتالي - فإن الحفاظ على عنصر الوحدة الوطنية في فرنسا، وعدم الخلط بين الهجوم الإرهابي، والدين الإسلامي، وعدم أخذ جميع مسلمي فرنسا بجريرة مرتكبي الهجوم، حقوق مشروعة؛ وحتى لا يستثمر اليمين المتطرف في فرنسا هذا الحدث الاستثناء، - خصوصا - وأنه يعتبر الجالية الإسلامية من الأعداء المعلنين على خارطة أجندته، ويظهر ذلك جليا في خطاباته العدائية، واستخدامه العنف المتكرر في كل مرة؛ لتبدو الحياة العامة، وكأنها تغلي على صفيح ساخن من خلال مظاهرات، وتحرشات عنصرية مقيتة.