إصرار النظام العالمي على القضاء على الإرهاب، واجتثاث جذوره من خلال المنظومة الأمنية - فقط -، سيؤدي به - في نهاية المطاف - نحو الإخفاق في مكافحة التيارات المتطرفة، والقضاء عليها قبل ولادتها. وما لم تكن إستراتيجية الحرب على الإرهاب متعددة الجوانب، فتشمل معالجة النواحي الدينية، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فإننا لن نتمكن من التصدي للبيئات الحاضنة للإرهاب، ومن ثم العمل على تفكيكها، والقضاء عليها، باعتبار أن الفكر المتطرف شأنه شأن أي نسق معرفي، مرتبط إلى حد كبير بالظروف التي تتعرض لها المجتمعات.
إن الفهم الشرعي المغلوط لنصوص الإسلام، وأحكامه، تجاوزت المنصوص شرعا، والمعروف عقلا، والبدهي فطرة، والطبعي أخلاقا، والمعتاد عرفا. وهو وإن كانت حدوده نسبية، وغامضة، إلا أنها تتوقف على حدود اجتماع القواعد المصاحبة لنشأتها، والتي يترجمها المتطرفون إلى ممارسات مرضية، الأمر الذي نتج عنه تهديد لكيان الدول، وقيمها، وتمزيق لأنسجتها الاجتماعية، وسلب لأمن شعوبها، وتدمير لمنجزاتها التنموية، وإرثها الإنساني، والحضاري؛ وليبلغ التطرف مداه في حكم الأقلية على الأكثرية؛ منطلقا من وظيفته الأولى، والمتلبسة بلبوس فكري ديني، بينما وظيفته الأخرى، تلحظها بتدثرها بلبوس السياسة الحركية.
في المقابل، فإن صنع البيئة المعتدلة يستدعي من الخطاب الديني، أن يكون قادرا على حلحلة هذه المفاهيم المغلوطة، وهو قادر على ذلك إن أراد، - من خلال - الاستدلال بالنصوص الشرعية، وتقديم التفسير الصحيح المصاحب لها. والتأكيد على أن المجتمعات التعددية تقوم على مبادئ التعايش، وقبول الآخر، ونبذ الإقصاء، ونفي الآخر. كما أن تجفيف المنابع التي تمد الإرهاب بالحياة، وتغذيته - أمر في غاية الأهمية -، ومن ذلك على سبيل المثال: ضرورة القضاء على التوترات الدولية، وإيجاد الحلول لظاهرة البطالة، والفقر، والمرض، والتي تشكل في مجموعها بيئة إحباط، يمكن استغلالها من قبل صناع الموت، والتطرف.
وعليه، فإن إستراتيجية مواجهة البيئة الإرهابية، تحتاج إلى الشمولية المذكورة في مقدمة المقالة؛ انطلاقا من أن مسبباته متعددة، - إضافة - إلى أهمية تعزيز قيم الوسطية، والاعتدال، والتسامح، والتعايش، والحوار بين الحضارات، والثقافات، والتصدي لنزعات التطرف، والتشدد، - سواء - كانت فتاوى مغلوطة، أو أفكاراً متشددة. وهنا يأتي دور العلماء الراسخين في العلم؛ لترشيد بوصلة انحراف الجماعات المتطرفة، وحماية الشباب من هذا الطريق المظلم، وردهم عنه قبل تورطهم فيه، باعتبار ما يغلب على هذه الفئة من سيطرة روح التمرد، والعناد الغالب عليهم تجاه الكبار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، اعتمادهم على أفكار مضادة خلافا لما يرتضيه المجتمع لنفسه.