* مرّ أسبوع على استشهاد ثلاثة من رجال أمننا البواسل على حدودنا الشمالية؛ على أيدي الغدر والخسة من الدواعش الإرهابيين، دون موقف واضح من جانب عدد كبير من أولئك الذين يتصدرون للدعوة في مختلف المنابر، ويوحون للكل أنهم أوصياء على المجتمع؛
الذي يعاني تطرفهم البغيض وسطوتهم المتوحشة من جانب، ويواجه إرهاب القاعدة وداعش من جانب آخر..!
* أمر ملفت أليس كذلك..؟!
* لكن- واللكننة هذه لغة عربية تبريرية على كل حال- ألم يمر حادث العدوان على حماة الوطن في شرورة على حدودنا الجنوبية من قبل مر السلام على قلوب القوم..؟! فلا كلام ولا خصام ولا استنكار أو تنكير لما تعرض له الوطن من عدوان ومحاولة اختراق؛ وتعمد قتل للمجاهدين الحقيقيين الساهرين على أمننا بالكل، نحن ومن يدعو من منابر الجمعة كل أسبوع ويقول: (اللهم ارفع علم الجهاد.. اللهم انصر المجاهدين في العراق والشام واليمن ومصر وليبيا وأفغانستان والباكستان وفي كل مكان)..! دماء شهدائنا الأبطال من الساهرين على أمننا على حدود وطننا في جنوبه وشماله لم تجف بعد؛ ونحن نرفع أكفنا خلف خطيب يدعو من منبر جمعة بالنصر والتمكين لمن قتلهم من (المجاهدين) في زعمه؛ الذين يجاهدون في (سبيل الله) كما يقول في اليمن وفي العراق..!
* أي فهم سقيم هذا الذي يرفع من شأن راية جهاد مختطف في هذا الزمان؛ ويحط من شأن راية بلاد هي مهبط الوحي، ومهد الرسالة، وقبلة المسلمين كافة، والمطبقة لشرع الله في كل مناحي حياتها..؟!
* ما هذا التغريب العجيب للولاء الوطني؛ الذي نخلعه عن وطن يضمنا ويوفر لنا الأمن والسلام والعيش الكريم، ونعطيه لخيالات ليس لها مكان إلا في قلوب المرضى من المنقلبين على واقعهم، والناكرين لحياتهم، والخارجين على دولتهم ومجتمعهم وكيانهم الحصين..؟!!
* دعونا نتكاشف إذا كنا نحرص على أمننا، ونتمسك بوحدتنا الوطنية، فنسمي الأشياء بأسمائها، لأنه لم يعد لنا من خيار أمام هذه الفتن؛ إلا المواجهة لا المواربة، فالقضية ليست مجرد (فئة ضالة)؛ يُؤمل مناصحتها واستصلاحها، ومن ثم اندماجها في الحياة العامة من جديد. الذين استغلوا المناصحة؛ فخدعونا وفجروا وقتلوا في أكثر من مكان؛ عددهم كبير، ومثلهم يستحق الموت لأن هذا هو جزاؤه.
* هناك فكر إرهابي قائم على التكفير- تكفير الدولة والمجتمع- نشأ وتربى في أحضان مؤسسات عامة وخاصة، وتمكن من المال العام والخاص، وأصبح جاهزاً للخروج على الدولة عنوة، مستفيداً من ضعضعة وضعف الدول القُطرية في اليمن والعراق وسورية وخلافها، متطلعاً إلى بلادنا القوية المتماسكة، فلو أنه موجه من خارج حدودنا فقط دون حواضن داخلية؛ لهان أمره، ولكن الإرهاب الذي يهددنا ونواجهه ليس فقط في هؤلاء المفجرين الذين حاولوا الاختراق من الحدود الشمالية والجنوبية، أو من الداخل كما حدث من قبل، إنه إرهاب صريح فصيح؛ تقوده زمرة من المتعاطفين مع أولئك، والداعمين لهم، والمؤيدين لفعلهم، والداعين لجهادهم المزعوم من منابرنا ومحابرنا ليل نهار.
* هذا ليس كلامي فقط.. هناك عدد كبير من أبناء الوطن المخلصين؛ الذين تألموا لما حدث في عرعر ضد رجال الأمن الشهداء؛ الذين دفعوا دماءهم فداء لوطنهم ومجتمعهم الطيب. سعدت برأي الكاتب الجميل الأستاذ (محمد الحاقان). رأيه كتبه أولاً في مجموعة (أقلام) على (الواتس أب)، ثم نقله (ملتقى عشاق الطائف) على (الفيس بوك والتويتر)، ليتفاعل معه أبناء الوطن بكل شفافية ومهنية. ماذا قال الحاقان في صورة هذا المشهد الذي كان ينبغي أن يوحد كافة شرائح المجتمع..؟ قال: (إن المحرضين في بلادنا سعداء باستشهاد أبنائنا في عرعر دون شك، حتى ولو خرجوا يستنكرون هذا الفعل للتعمية؛ فالذين استنكروا فعل جهيمان في الحرم قالوا وقتذاك: إن هذا الحادث سببه الانحرافات الدينية في المجتمع..! ويعتقد البعض أن المقصود بالمحرضين هم من يدعون صراحة للإرهاب، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن هؤلاء إرهابيون حركيون معلن عنهم ومطلوب القبض عليهم. أما المحرضون الأخطر؛ فهم من يحارب الابتعاث، ويعارض عمل المرأة، ويقاوم إصلاح القضاء، ويسعى للسيطرة على هيئة الأمر بالمعروف، ويبرر استمرار تجاوزاتها، ويعرقل تطوير التعليم، ويشن الحملات الكاذبة على المصلحين. هؤلاء هم رأس كل فتنة، وهم المحرضون الذين يجب التعامل معهم كالتعامل مع الإرهابيين تماماً).
* أفهم أنه: (عندما يكون وطننا في خطر؛ فكلنا له جنود)، والإرهاب الذي نتعرض له؛ يجعل (علم البلاد) مقدماً على (علم الجهاد)، لأن الجهاد الذي يزعمون لا راية له ولا عَلم، إلا إذا رأى القوم؛ أن رايته في (داعش)، وعَلمه في (القاعدة).