Al Jazirah NewsPaper Friday  15/12/2006G Issue 12496مقـالاتالجمعة 24 ذو القعدة 1427 هـ  15 ديسمبر2006 م   العدد  12496
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

الخلُّ الوفيُّ 3 - 3
د. محمد بن سعد الشويعر

هذه الخصلة الذميمة التي حذَّر الحسن بن علي رضي الله عنه، جلساءه هي التي يتولََّد عنها: الكذب والحسد، والغيبة والنَّميمة، والكراهية بين الناس، والتشاحن والتباغض، وغير هذا من مولِّدات الشرور بين البشر، في كل مجتمع، فهي لا تنمو إلا مع نقص الإيمان وبُعد وازعه عن الإنصاف بكماله.

وهي متأصِّلة في الشَّياطين، حيث غرس جذورها، ونمَّى نبتها إبليس عندما عَصَا ربه وأخذ العهد على نفسه، أن يُضلِّل عباد الله وأن يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، لينكروا شكر الله والاستقامة على شرعه، فقال الله سبحانه: (إلا عبادي المخلصين). فهو لن يستطيع النَّفاذ إليهم، وأعوانه من المردة، وشياطين الإنس الذين يخدمونه بالفساد والإفساد والإغواء لأن الله حفظهم عنه، بقوَّة الإيمان، وبخصال هذا الدين الذي لا يقبل الله من البشر ديناً سواه.

فإبليس وذرِّيته المردة، أخذوا على أنفسهم عهداً، بالترصُّد لبني آدم حسداً وتكبراً على الله ويسعون في التّنفيذ جاهدين بغير ملل ولا كلل، ومطيَّتُهم في ذلك الخصال الذميمة التي مرَّت بنا التي يتولَّّد عنها كُلُّ شر ومن ذلك عدم الوفاء والغدر وفساد القلوب بالغلِّ والحسد.

ويمثِّل ذلك ما روي عن يحيى بن زكريا، عليهما السلام أنه لقي إبليس فقال له: أخبرني مَنْ أحب الناس إليك، وأبغضهم إليك، قال: أحبُّ الناس إليَّ كل مؤمن بخيل، وأبغض الناس إليَّ، كلُّ منافق سخي، قال يحيى: ولِمَ ذلك؟.. قال: لأن السخاء خُلق الله العظيم (يريد الأعظم) فأخشى أن يطَّلع الله عليه، في سخائه، فيغفر له.

ومن هذا وذاك، تبين خصال الوفاء في الصديق الصادق، والخلال التي تحثُّ عليها تعاليم دين الإسلام، الذي جعل الله أمته، خير أمة أُخرجت للناس إذا حرصوا على تطبيق الأسس والقواعد، التي بينها الله سبحانه، وحثَّ عليها رسوله، ودورهم في قيادة البشرية: أفراداً وأسراً، وشعوباً وجماعاتٍ، إلى الأمن والأمان والرخاء والاطمئنان، ونشر العدل والوفاء، لتأخذه الأمم الأخرى، قدوةً صالحةً ومثلاً يُحتذى كما حصل في الدور الأول الذي اتّسع به مجال الإسلام في أرض الله الواسعة دون أن تصلها جيوش أو حروب في رد على مَنْ يريد تشويه صورة الإسلام في بلاد الغرب بأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف والقهر والظلم.. وحاشا الإسلام وشرع الله من هذا المسلك.

كما تبرز الخصال الأخرى المضادَّةُ لعدل الإسلام وسمو شرعه في نفع البشرية التي لم ينشأ منها إلا الظلم ونهب أموال الشعوب وخيرات بلادهم ومن ثم السعي لإذلالهم، بنشر الفساد والسعي وراء الإفساد والله سبحانه لا يحب الفساد وحرَّم الظلم على نفسه.

فالقاعدة لهذه الأمور، هي ما حرصت عليه الصفات الحميدة التي تأتي من حسن طاعة الله وفهم كل خصلة تنبعث من هذه الطاعة، حيث يحقق المولى سبحانه تبعاً لهذه الطاعة الحقيقية، محبَّةً بين الناس في القلوب، وأماناً في الأوطان وفتح أبواب الرزق الكثيرة وازدهاراً في الاقتصاد، وتوسعاً في النعم، أَلم يقلْ سبحانه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}(96) سورة الأعراف.

وإن من صفات الخلِّ الوفيِّ وهو الذي يقف معك في الضراء، ليخفف عنك ألمها، ويواسيك مما قد حصل لك، بدون تملُّق أو طلب عِوَض، ويفرح لك بالسّراء ليمحضك نصحه، في كل أمر تعرضه عليه، ويعطيك من تجاربه النَّافعة، ما به يزداد سرورك، وفي كل أمر تعرضه عليه ولا يطلب لك أو لأسرتك إلا الخير والمنفعة الحسنة، ويدافع عنك الشرّ وأنت لا تدري فيحفظ عرضك في غيابك ويراقب ما يقوله الناس عنك: ما بين قادح ومادح، ليوازن الأمور ويفتح لك الباب المفيد السير فيه، ليفيدك عن الطريق الأسلم الذي يجب أن تأخذ به، وهذا هو الذي يُقال عنه: الصديق مَنْ صدقك وأعانك على ما فيه مصلحتك الدنيوية والأخروية..

ومن صفاته أن يقف معك في المُلمَّات، ويحرص على حفظ عرضك في غيبتك، فإن احتجت إليه نفع، بجاهه وماله، أو مشورته النافعة، ولا يسعى في مضرتك بل يدافع عنك ويحذِّرك من عواقب الأمور بحكم تجربته أو أقل تقدير شاركك ألمك، وتوجَّع لمصابك كما قال الشاعر:

ولا بُّدَ من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجَّع

لأنه صاحب مروءة يريد لك - من وفائه - ما يريد لنفسه، وإن جاورك حَفِظَ لك سرَّك، وأدى حق الجوار لأفراد عائلتك، بالنفع والنصح، دون الضرر أو الغدر والخيانة..

ولئن كانت تعاليم ديننا الإسلامي، بمصدريها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تدعو للخير، فإنَّ بعض النفوس الصافية تراعي ذلك الخير، فإنْ كان صاحبها مسلماً وفَّى له أجره بحسب نِيَّتِهِ، وإن كان كافراً فليس له من حظ في الآخرة وفي الدنيا يكفيه ثناء الناس، كما أخبر صلى الله عليه وسلم في قصة حاتم الطائي وفي مكارم أخلاق عبدالله بن جدعان الذي لم يُقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

وأحسن ما وجدتُ في صَفْوِّ الوداد، والخلِّ الوفيِّ الصدوقِ هذه الأبيات التي أختمُ بها حديثي:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلُّفاً
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدالٌ وفي الترك رحمةٌ
وفي القلب صبرٌ للحبيب ولو جفا
فما كلُّ مَنْ تهواه يهواك قلبُهُ
ولا كُلُّ من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةً
فلا خير في خِل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله
ويلقاه مِنْ بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده
ويظهر سِرَّاً كان بالأمس قد خفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها
صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعدِ مُنْصِفَا

أحكام عادلة من الجنِّ

جاء في محاضرة الأبرار، قائلاً: حدثنا الضَّرير إبراهيم بن سليمان الخابوريِّ، من دير الرُّمان بحلب، قال: كنت بذي نصر فخرج رجل يحتطب لعياله، فَفُقِد أياماً، حتى حزن عليه أهله، فدخل عليهم بعد ذلك ضعيفاً، متغيِّر اللون، كاسف البال، أثر الرُّعب والجزع عليه ظاهر.

قال: فسألناه عن شأنه، فقال: بينما أنا أحتطب، إذْ عرضت لي حيَّة فقتلتها، فغشي عليَّ، وغبت عن نفسي، فما أفقت إلا وأنا بأرضٍ لا أعرفها، بين قوم لا أعرفهم، فأخذني جماعة منهم، فجاؤوا بي إلى شيخ فيهم كبير، هو زعيمهم، فمثلوني بين يديه، فقال: ما شأنكم؟ فقال: هذا قتل ابن عمنا، وأشاروا إليَّ، فَقُدْ لنا منه، فقال الشيخ لي: ما تقول؟، فقلت: لا أعرف ما يقولون، وإنما أنا رجل كنت أحتطب، فعرضت لي حيَّة فقتلتها.

فقالوا: ذلك ابن عمّنا، فقال ذلك الزّعيم: امسكوه عندكم، واستوصوا به خيراً، حتى أرى في أمركم وأمره، فأخذوني إليهم، وجاؤوا بأطعمة لا أعرف منها سوى اللَّبن، فكنت أشربه، لا أعدل إلى غيره مدَّة هذه الأيام، التي غبت عنكم فيها، فبينما أنا على ذلك، إذ جاؤوني فأخذوني وحضروا بي عند الشيخ ذلك، فذكروا مثل مقالتهم الأولى، من الدعوى، فسألني الشيخ فذكرت له الأمر على ما جرى، فقال الشيخ للقوم: مالكم عليه حقٌّ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ تصوَّر في صورته، فقُتل فلا عقل فيه ولا قود، وصاحبكم تصَّور في صورة حيَّة، فخلَّوا سبيله.

فقلت: يا شيخ وهل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم كنت في وفد جنِّ نصيبين، حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عاش إلى هذا اليوم، من ذلك اليوم غيري.

فهؤلاء الجنُّ قومنا، يتحاكمون إلينا في أمورهم، فأحكم بينهم، ثم قال لهم: ردُّوه إلى حيث أخذتموه، فما شعرتُ إلا وأنا في موضعي (2: 61).




نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved