هذه الخصلة الذميمة التي حذَّر الحسن بن علي رضي الله عنه، جلساءه هي التي يتولََّد عنها: الكذب والحسد، والغيبة والنَّميمة، والكراهية بين الناس، والتشاحن والتباغض، وغير هذا من مولِّدات الشرور بين البشر، في كل مجتمع، فهي لا تنمو إلا مع نقص الإيمان وبُعد وازعه عن الإنصاف بكماله.
وهي متأصِّلة في الشَّياطين، حيث غرس جذورها، ونمَّى نبتها إبليس عندما عَصَا ربه وأخذ العهد على نفسه، أن يُضلِّل عباد الله وأن يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، لينكروا شكر الله والاستقامة على شرعه، فقال الله سبحانه: (إلا عبادي المخلصين). فهو لن يستطيع النَّفاذ إليهم، وأعوانه من المردة، وشياطين الإنس الذين يخدمونه بالفساد والإفساد والإغواء لأن الله حفظهم عنه، بقوَّة الإيمان، وبخصال هذا الدين الذي لا يقبل الله من البشر ديناً سواه.
فإبليس وذرِّيته المردة، أخذوا على أنفسهم عهداً، بالترصُّد لبني آدم حسداً وتكبراً على الله ويسعون في التّنفيذ جاهدين بغير ملل ولا كلل، ومطيَّتُهم في ذلك الخصال الذميمة التي مرَّت بنا التي يتولَّّد عنها كُلُّ شر ومن ذلك عدم الوفاء والغدر وفساد القلوب بالغلِّ والحسد.
ويمثِّل ذلك ما روي عن يحيى بن زكريا، عليهما السلام أنه لقي إبليس فقال له: أخبرني مَنْ أحب الناس إليك، وأبغضهم إليك، قال: أحبُّ الناس إليَّ كل مؤمن بخيل، وأبغض الناس إليَّ، كلُّ منافق سخي، قال يحيى: ولِمَ ذلك؟.. قال: لأن السخاء خُلق الله العظيم (يريد الأعظم) فأخشى أن يطَّلع الله عليه، في سخائه، فيغفر له.
ومن هذا وذاك، تبين خصال الوفاء في الصديق الصادق، والخلال التي تحثُّ عليها تعاليم دين الإسلام، الذي جعل الله أمته، خير أمة أُخرجت للناس إذا حرصوا على تطبيق الأسس والقواعد، التي بينها الله سبحانه، وحثَّ عليها رسوله، ودورهم في قيادة البشرية: أفراداً وأسراً، وشعوباً وجماعاتٍ، إلى الأمن والأمان والرخاء والاطمئنان، ونشر العدل والوفاء، لتأخذه الأمم الأخرى، قدوةً صالحةً ومثلاً يُحتذى كما حصل في الدور الأول الذي اتّسع به مجال الإسلام في أرض الله الواسعة دون أن تصلها جيوش أو حروب في رد على مَنْ يريد تشويه صورة الإسلام في بلاد الغرب بأن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف والقهر والظلم.. وحاشا الإسلام وشرع الله من هذا المسلك.
كما تبرز الخصال الأخرى المضادَّةُ لعدل الإسلام وسمو شرعه في نفع البشرية التي لم ينشأ منها إلا الظلم ونهب أموال الشعوب وخيرات بلادهم ومن ثم السعي لإذلالهم، بنشر الفساد والسعي وراء الإفساد والله سبحانه لا يحب الفساد وحرَّم الظلم على نفسه.
فالقاعدة لهذه الأمور، هي ما حرصت عليه الصفات الحميدة التي تأتي من حسن طاعة الله وفهم كل خصلة تنبعث من هذه الطاعة، حيث يحقق المولى سبحانه تبعاً لهذه الطاعة الحقيقية، محبَّةً بين الناس في القلوب، وأماناً في الأوطان وفتح أبواب الرزق الكثيرة وازدهاراً في الاقتصاد، وتوسعاً في النعم، أَلم يقلْ سبحانه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}(96) سورة الأعراف.
وإن من صفات الخلِّ الوفيِّ وهو الذي يقف معك في الضراء، ليخفف عنك ألمها، ويواسيك مما قد حصل لك، بدون تملُّق أو طلب عِوَض، ويفرح لك بالسّراء ليمحضك نصحه، في كل أمر تعرضه عليه، ويعطيك من تجاربه النَّافعة، ما به يزداد سرورك، وفي كل أمر تعرضه عليه ولا يطلب لك أو لأسرتك إلا الخير والمنفعة الحسنة، ويدافع عنك الشرّ وأنت لا تدري فيحفظ عرضك في غيابك ويراقب ما يقوله الناس عنك: ما بين قادح ومادح، ليوازن الأمور ويفتح لك الباب المفيد السير فيه، ليفيدك عن الطريق الأسلم الذي يجب أن تأخذ به، وهذا هو الذي يُقال عنه: الصديق مَنْ صدقك وأعانك على ما فيه مصلحتك الدنيوية والأخروية..
ومن صفاته أن يقف معك في المُلمَّات، ويحرص على حفظ عرضك في غيبتك، فإن احتجت إليه نفع، بجاهه وماله، أو مشورته النافعة، ولا يسعى في مضرتك بل يدافع عنك ويحذِّرك من عواقب الأمور بحكم تجربته أو أقل تقدير شاركك ألمك، وتوجَّع لمصابك كما قال الشاعر: