| |
معاشر المثقفين: متى نسمو إلى مكانة هذا الوطن؟ د. محمد بن سعود البشر
|
|
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ابتدأت الولايات المتحدة تنفيذ مخططاتها الإستراتيجية لإعادة هيكلة العالم الإسلامي وفق مصالحها الأيديولوجية والاقتصادية. ابتدأت مرحلة التنفيذ بإسقاط الحكومة القائمة في أفغانستان، ثم بدأت مرحلة الدعاية السياسية لتهيئة الرأي العام العالمي للغاية الكبرى: احتلال العراق وإسقاط بغداد. قبل الاحتلال، أُعدت سيناريوهات سياسية وعسكرية لقبول الحالة، كان أبرزها ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وكانت كذبة كولن باول الدامية التي أعلنها في هيئة الأمم المتحدة بتأكيد الشواهد على هذه الكذبة التي اعترف بها وندم عليها بعد استقالته. بعد سقوط بغداد تغير سيناريو الخطاب السياسي والإعلامي ليتحدث عن الشرق الأوسط الكبير، ونشر الديموقراطية، والترويج لمفهومات كثيرة، أهمها: إرساء العدالة، وتعزيز حقوق الإنسان، وإشاعة التسامح، ونبذ الكراهية، وتحرير المرأة، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتشجيع (الإسلام الليبرالي)، وغيرها من ذرائع لا تقل في حقيقتها عن كذبة كولن باول الدامية. قبل احتلال العراق كان المثقفون السعوديون يتحدثون عن تداعيات هذه الأحداث، ليس على أفغانستان، أو العراق فحسب، بل حتى على بلادنا، عقيدة، وحكومة، ومؤسسات، وأفراداً وشعباً. لا زلت أتذكر حديثاً غابت عني تفاصيله وبقيت خلاصته، قبل خمس سنوات قال أحد المثقفين الذين يقرؤون الواقع ويتنبؤون بالمستقبل: إن الغرب سيواجه العالم الإسلامي ويناور على محورين: المحور الأول عسكري اقتصادي يتمثل في احتلال العراق ونهب ثرواته وتغيير بنائه السياسي والعسكري ليخدم الإستراتيجية العسكرية للغرب، وقد كان. أما المحور الآخر فإنه ثقافي معنوي، سيتوجه بقوة إلى السعودية بوصفها مركز الثقل الروحي للعالم الإسلامي، وقبلة أهل السنة والجماعة، وحاضنة الحرمين الشريفين، وراعية شؤون المسلمين في العالم، وقد كان. تعرضت بلادنا إلى هجمة سياسية وإعلامية شرسة، طالت القيادة، والشعب، ومؤسسات الدولة الشرعية، والتعليمية، والسياسية، والإعلامية، والخيرية، وغيرها، ولا تزال هذه الهجمة الظالمة مستمرة، وإن خفت وتيرتها، وخبت جذوتها شيئاً قليلاً. كان المفترض - بمنطق الدين والعقل والوطنية- أن ينبري المفكرون والمثقفون والإعلاميون لمواجهة هذه الحملة الغربية الظالمة على بلادنا، وقد شهدنا شيئاً من ذلك على مستوى الأفراد والمؤسسات المعنية، ومن الطبيعي والحالة هذه أن يتداعى النخب والمثقفون لحراسة الثوابت التي قامت عليها هذه الدولة (الدين والوطن والأسرة الحاكمة) حتى تقوى الجبهة الداخلية وتتماسك، ووحدة الداخل وتماسكه أول وأهم مراحل المواجهة الشاملة، بيد أننا شهدنا من بعض المثقفين من أحدث خروقاً في هذه الجبهة، وركب من حيث يدري أو لا يدري موجة العداء للوطن وثوابته، فأصبحنا نحارب - فكرياً - على جبهتين: عدو من الخارج لا يزال (يقصف) البناء، وعدو من الداخل ما فتئ (ينخر) بهدوء معلن أو بدهاء ومكر مبطن تحت الأركان. ولئن كان الغلو في الدين أحدث أثراً ظاهراً، فإن التفريط في الدين وتبني التوجهات الفكرية والثقافية الغربية على نسيجنا الاجتماعي لا يزال يحدث أثراً خفياً ينخر ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً ليقوض البنيان. هذا النوع هو من تضامن مع الغرب ليغير وجه الدولة والمجتمع، وإن العاقل ليتملكه العجب ويحتار: كيف لمن ينتمي إلى مثل هذه البلاد: بعقيدتها، وحكومتها، وشعبها أن يكون متحرفاً إلى قوم أو متحيزاً إلى فئة أو أرض دون وطنه وقومه وأرضه؟ أي خذلان أشد وأنكى من أن يتنكر المرء لدينه وقومه؟! هذا الوطن له مكانة سامية في نفوس أبنائه والعرب والمسلمين.. هذا الوطن كبير: بعقيدته وقيادته، وعلمائه، وشعبه. لو كان هذا الوطن لغيرنا من شعوب العرب والمسلمين: بمقدساته، ومؤسساته الشرعية، ونظامه السياسي، واستقراره الأمني، وإيمان مواطنيه، وصفاء عقيدة شعبه، ورغد العيش لعضوا عليه بالنواجذ، ولبذلوا الغالي والنفيس دفاعاً عنه، وحمية لثوابته وثرواته. إن اختلاف الرؤى ليس مذموماً بعينه إذا كان اختلاف تنوع، أما المذموم والمستنكر أن يكون اختلاف تضاد يجني الوطن وأهله ثماره المرة، ولئن كان الدفاع عن الوطن وثوابته واجباً على كل من ينتمي إليه، فإنه يتأكد في حق النخب والمثقفين.. فمتى نسمو إلى مكانة هذا الوطن؟!
|
|
|
| |
|