| |
مشاريع أم فهد المنزلية منيرة ناصر آل سليمان*
|
|
مساعدة الآخرين والشعور بآلام المحتاجين ومد يد العون لهم مما يؤجر عليه المسلم ويرفع من تكاتف أبناء المجتمع ويقيهم مخاطر شتى جراء العوز والحاجة.. من المتعارف عليه لدينا أن يدس صاحب الصدقة بعض المال في جيب المحتاج أو يقدم له مساعدات من أطعمة ولباس وغيرها مما يكفي وقتاً محدداً فقط !! ولكن أم فهد كان لها طريقة أخرى وتجربة فريدة في المساعدة، وقفتُ مندهشة وهي تتحدث عن تجربتها - جزاها الله خيراً- فحين عادت أم فهد لوطنها (دولة خليجية) واستقرت فيه أخيراً بعد ربع قرن من الاغتراب.. تلك السنوات التي زرعت في نفسها الاعتماد على النفس وتعلمت معنى الاستغناء عن الآخرين بالرغم من أنها بصحبة زوجها وأولادها ولم تكن تعمل لكنها خبرت هذه الصفة الرائعة وامتثلتها في حياتها (الاعتماد على النفس) وخبرت الحياة وتقلباتها ..تعلمت وعلّمت كيف يكون الفرد منتجاً في وطنه فيما يستطيعه ويبدع فيه.. تقول أم فهد: بعد استقراري في وطني جاءت إليَّ نسوة شاكيات حالهن ويطلبن مساعدتي!! فهذه زوجها ضرير ولا دخل له، وتلك زوجها مدمن مخدرات ولا يصرف عليها وعلى صغارها الثلاثة، ونماذج كثيرة مثلهن تتنوع مصائبهن وتشتد حاجاتهن وعوائلهن ويعشن على الصدقات والزكوات وعلى استجداء الناس (منعوهن أو أعطوهن)!!! وقتها شعرت بضرورة مساعدتهن بطريقة تكفل لهن العيش الكريم والبعد من مذلة السؤال، والأهم أن يجدن مصدراً للدخل من تعبهن وكد أيديهن! طرحت عليهن فكرة أن كل فرد يمكن أن يكون منتجاً بالقدر الذي يستطيعه وما من عاجز إطلاقاً! كن أولئك النسوة بحاجة لما يحرك فيهن حب العمل والاعتماد على النفس وإقناعهن بأن لديهن ما يمكن أن يبدعن فيه ..كن بحاجة لدافع فقط يدفعهن للنشاط وترك الكسل والاعتماد على الآخرين ..أشعرتهن أنهن أيادٍ معطلة ..أيادٍ قادرة على العطاء وليس الأخذ فقط ! سألت أم محمد ما هو الشيء الذي تتقنه وتبدع فيه؟؟ قالت إنها تصنع الحناء الطبيعي للشعر وتوزعه على قريباتها وقريبات زوجها بلا مقابل!! ولا حتى كلمة شكر!! قلت لها وهل يمكنك إعداد كميات كبيرة لمن ترغب في الشراء وإن كان باستطاعتها الذهاب لمن تريد أن تضع لها الحناء في بيتها؟؟ فأجابت بنعم، فقمت بإعداد كروت باسمها ورقم هاتفها وطباعتها بكميات كبيرة ودللتها على أماكن التجمعات النسائية في المساجد وأماكن المحاضرات لتوزع كروتها وتعلن عن نفسها ونشاطها، والآن ما شاء الله.. تبارك الله، استغنت عن الحاجة وذل السؤال وبدت أفضل حالاً مما كانت عليه ..بالرغم من بساطة مشروعها وقلة تكاليفه!! أما أم أحمد فكانت تشتكي بألم قلة مساعدة الناس لها برغم حاجتها وحاجة زوجها الكفيف، أكملت شكواها وهي تقدم لي بسكويتاً لذيذاً من صنع يدها!! سألتها إن كان يمكنها أن تصنع المزيد وتبيعه على الأخريات؟ وحين أبدت حماسها أخبرتها بكيفية تجهيزه بطريقة نظيفة وفي صحون بلاستيكية وتغليفها بطريقة مرتبة، ومن ثم أحضرت لها قائمة بالأسعار ودللتها على طريقة التسعير حسب السوق (كنت أقرأ لها الأسعار فهي أمية لا تقرأ ولا تكتب!!)، ثم دللتها على أماكن التجمعات النسائية خاصة في المحاضرات والندوات التي نقيمها في المساجد والبيوت ودور تحفيظ القرآن الكريم، وما شاء الله الآن توسعت في المزيد من الأطعمة والحلويات خاصة وأقبلت عليها النساء؟؟ وأخرى برعت في عمل البهارات فكانت تعدها في منزلها بكميات كبيرة وتغلفها أيضاً ثم تبيعها بذات الطريقة.. وغيرهن استفدن من تجارب هؤلاء الأخوات وبدأن بالتفكير بالعمل وتعلمن وأجدن أيضاً، ومنهن من أبدعت في الأشغال اليدوية أو اكتشفت قدرتها وموهبتها واستغلتها تجارياً.. تتابع أم فهد: كنت بحاجة لتحريك هذه الأيادي المعطلة، ولأبدد التردد الذي أبدينه قمت وقريبتي بالعمل أمامهن بخياطة شراشف الصلاة وبيعها بالرغم من عدم حاجتي للمال -ولله الحمد والمنة.. لقد كنت أدلهن فقط على الطريق وأزرع فيهن الثقة بالنفس والاعتماد على النفس، ومن ثم أترك لهن حرية الإبداع، ومواصلة مشوارهن نحو التجارة التي تتسوع بفضل الله تعالى. هذه نماذج وغيرها كثير تحدثت عنها أم فهد -جزاها الله خيراً- تحفظ للمرأة كرامتها وتجعلها منتجة عاملة وهي في منزلها! فتلك نماذج للعمل المنزلي أو المشاريع المنزلية الصغيرة التي لا تحتاج للكثير، فقط الرغبة في العمل والبحث عن طريقة مدروسة للتوزيع والإعلان.. ليس هذا فحسب بل تقول إنها أصبحت تدرب الأيادي الصغيرة لفتيات في دور تحفيظ القرآن الكريم لإتقان الحياكة مثلاً أو عمل إكسسورات للشعر وغيرها مما يفيدهن مستقبلاً حتى لأغراضهن الشخصية. لعل البعض لا يرى جديداً في هذا الموضوع، فالمشاريع المنزلية الصغيرة معروفة، ولكن الجديد أن نرى مثل أم فهد - جزاها الله تعالى خيراً- فهي تفكر بطريقة إيجابية مبدعة ونافعة ..وتسعى لخير مجتمعها والحفاظ على كرامة المعوزات. ليت كل مقتدرة تفكر بهذه الطريقة لمساعدة المحتاجات ..هناك الكثير مما يمكن لسيدات المجتمع أن يقدمنه ويحتسبن الأجر من خلاله.. وبجهود بسيطة وتكاليف أكثر بساطة في البدء طبعاً، ويمكن للعمل البسيط بفضل الله تعالى أن ينمو ويحقق الكثير من النجاح. لا أروع من أن يكفي الإنسان نفسه مذلة السؤال والحاجة للآخرين.. فكروا بإيجابية والخير في طريقكم بإذن الله تعالى.
* أمريكا
Marrfa@hotmail.com |
|
|
| |
|