| |
استرعى انتباهي الفرد من بيننا.. عندما ينجح د. عبد الله بن ناصر الحمود *
|
|
استيقظتُ هذا الصباح على هاجس ما زال يعاودني ويرجع خائباً دون أن يتبدّد، ثم لا يلبث أن يعيد تشكيل ذاته في سؤال عظيم: كيف ينجح الناس؟ ثلاث كلمات تحوي معظم أسرار البقاء والعيش الكريم لكل المخلوقات. لقد كتب الكثيرون عن النجاح، من أمثال (ميوريل جامز) في كتابه (أن تختار النجاح)، وكذلك قصص (دفع الناس للأعلى) (لآرت وليم) الحفيد، أو (آبل) في كتابه (أن تملك حياتك). وكل هؤلاء يُجمعون على أن سرّ النجاح يتمثل في أنّ على المرء أن يكون مستعداً لإنجاز هدف ما، وأن يستخدم الطرق المثلى لتحقيقه.. فإن تمكن من ذلك تحقق له النجاح. الناجحون أسياد على الأرض، والقاصرون دون النجاح عبء على الناجحين.. فهل (نحن) ناجحون؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال أودّ أن أبيّن أنَّ (نحن) هذه تعني (منّا) الأفراد وتعني (منّا) الجماعات. وسأترك الإجابة (الفصل) عن نجاحنا (جماعة) للقارئ الحصيف، لكنني (هنا) أتحدث عن نجاح (الفرد) عندنا. تقول قاعدة النجاح: أن يضع المرء هدفاً أمامه ثم يسعى إلى تحقيقه.. فإن الهدف يتحقق بإذن الله تعالى. وهنا تبرز وتتجلى مشكلتنا مع النجاح، فمنّا من ليس له أهداف واضحة أصلاً، ومنّا من يضع الأهداف المميّزة، لكنه يقصر دون السعي الأمثل إلى تحقيقها، فيتبدّد جهده، ويضيع عمله، وتمرّ عليه السنون العجاف، يندب حظه، ويشتكي قلّة حيلته. وشتان بين الناجحين ومن هم دونهم. شَهِدَت الأيام القليلة الماضية نجاحاً متميزاً (لفرد) متميِّز من بيننا، هو الإعلامي المخضرم.. المذيع الفذّ.. القيادي الإعلامي القدير.. الباحث في العديد من موضوعات الإعلام والاتصال.. الكاتب الصحفي المبدع.. عضو مجلس الشورى السابق.. المحاضر في أقسام الإعلام الجامعية.. الأب الإنسان.. والزميل الإنسان.. والصديق الإنسان.. الخبير بماضي إعلامنا السعودي، والمستوعب لحاضره، والمستشرف لمستقبله.. المؤلف للعديد من الكتب العلمية القيمة التي صدّر آخرها (حتى الآن) بقوله: (هناك أفواه إعلاميين وإعلاميات تتلفّظ بكلمات عطرة، أولئك هم الذين اشترى الله منهم أفواههم وأصواتهم وأقلامهم لقول كلمة لا تقول لصاحبها: دعني)، وهو يحِنُّ على أبناء جنسه هؤلاء ليبيِّن في نهاية تقدمته لكتابه (أفواه تتلفظ بكلمات عطرة) كيف يؤدّون هذه الرسالة بإتقان؟ ما أدواتهم؟ مَن منهم لم يمتلكها؟ ما أخطاؤهم ليتجنّبوها كي يكون لهم أصدقاء كُثر خلف الشاشة، ووراء لاقط الصوت، وبين سطور صفحات الصحف والمجلات؟ ذلك هو الدكتور بدر بن أحمد كريّم، الذي يكاد لا يوجد في مجتمعنا مَن لا يعرفه باسمه الوظيفي (بدر كريّم)، بصوته العذب عبر موجات المذياع السعودي في رحلة عبر الزمن قلّ أن يجود الزمن بمثلها. كنت أقابله في مناسبات كثيرة، فأتضاءل أمامه؛ لأنني أحمل له ذكرى (بدر كريّم) منذ أن كنت صبياً في مراحل التعليم الأولى، حين لم يكن متاحاً حولي غير (مذياعٍ) يتربّع على موجاته نخبة من جيلٍ ساد ويسود، كان من أعلامه ولا يزال (بدر كريّم) الذي نقل السيادة الإذاعية المهنية لنجله (ياسر بدر كريّم). نجاح تلك الشخصية كان متجلياً في تمثُّله لقاعدة النجاح: وضع أمامه هدف تحقيق درجة الدكتوراه في الإعلام منذ عام 1419هـ.. فسعى إلى تحقيقها بإصرار واقتدار امتدّ ثمان سنوات، لم تكن برداً وسلاماً عليه، لكنه أراد لهذا الهدف أن يتحقق، فتحقّق بإذن الله، و(بامتياز) أكاديمي هذه المرة، بعد أن (امتاز) مهنياً في كثير من المرّات التي سبقت وامتدت لعقود من الزمن.. وبعد أن امتاز وظيفياً بتقلُّده مهمة عضوية مجلس الشورى جنباً إلى جنب مع مقاعد الدراسة العليا، ومواطن الاستثارة العلمية والمعرفية. تهنئة من القلب لصاحب القلب الكبير (بدر كريّم).. الزميل.. والصديق.. والقدوة في العمل والعطاء والتفاني والإصرار على النجاح. وتهنئة لمن هم حوله من أفراد عائلته.. أسعد الله به أعينهم، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، ووقاهم من كل سوء. وإن كنت أهدي شيئاً من مقالاتي للوطن فإنني أقدّم إنجاز الرجل نموذجاً أمام أعين ثلّة من شبابنا الذين نقابلهم في قاعات الدراسة وهم يملّون ويترقبون الفكاك منها، فأقول لهم: إننا لن ننجح (جماعاتٍ) ما لم نملك إرادة النجاح (أفراداً).. ذلك أننا إن نجحنا فرداً فرداً فلن يجرؤ أحد على منازلتنا أن ننجح جماعات وشعوباً.. وأن نسود.. وأن نقود.. وأن نكون كما أراد الله لنا.. خير أمة أخرجت للناس.
* نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
alhumoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|