Al Jazirah NewsPaper Friday  03/11/2006G Issue 12454الرأيالجمعة 12 شوال 1427 هـ  03 نوفمبر2006 م   العدد  12454
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

داء البطالة
عبدالله محمد سليمان السعوي

الحمولة المعرفية لمفردة البطالة تنطوي على جملة من الأبعاد الدلالية الموغلة في السلبية على نحو يشي بحالة مرضية تنخر في الجسد الجمعي ويفضي تصاعدها المطرد لتبعات تفويضية تتمظهر في قوالب متباينة لها انعكاسات عميقة تؤسس - وبجدارة متناهية - لتبديد الطاقات البشرية وللإعاقة المربكة للنمو والرفاه الاقتصادي.
هذه الإشكالية باتت تشكل عائقاً تنمو وتخل بالأمن الاجتماعي العام وتشكل الظل الأسود الملازم لشريحة واسعة من الفئة الشبابية على وجه الخصوص على نحو يؤرقها ويهمش قدراتها ويجعلها أكثر عرضة لإغراءات الانحراف في السلوك الاجتماعي.
الممارسة الإجرائية وعياً تحيلنا إلى بعد دلالي؛ فحواه أن ثمة رباطاً جدلياً يتعذر اختزاله إلى أحد طرفيه بين البطالة بحسبها من أكبر التحديات المهددة لأمن المجتمع والمهدرة لحيويته، وبين السلوك الإجرامي بحسبه انعكاساً طبيعياً لآفة تشكل الغداء الروحي لشيوع العناصر المقوضة لتماسك البناء الاجتماعي.
البطالة من جهة والجريمة التي تتسع دائرتها لتأخذ منحى تصاعدياً من جهة أخرى ثنائية متلازمة تشكل باباً خلفياً لجملة من الأدواء المفضية في النهاية إلى شيوع مناخ عام لا يتقاطع اتفاقاً مع الشرط القيمي بقدر ما يعمل على زحزحته واستقطاب النقيض السلوكي.
إن ثمة إفرازات جسيمة ذات مساس ببنية المجتمع تنشأ جراء تفشي البطالة وقلة الموارد المالية المتاحة مثل تنامي أعمال العنف والممارسات اللا مشروعة بضروبها كلها كالقتل والاغتصاب والسرقة والاعتداء على الأملاك والانحلال الخلقي كنتيجة حتمية للشعور الحاد بالإحباط المقلل من يقظة الأداء العقلي على نحو يحيل الفرد إلى فريسة يسهل اصطيادها واستغلال عوزها.
إن ضمور الفرص المتاحة للعمل وضآلة المصادر المادية يولد لدى الفرد شعوراً حاداً بالنقص، فينخفض لديه الشعور الإيجابي بكينونته ويتحطم جانبه المعنوي وتتخلق لديه حالة من الرفض والعداء ضد مجتمعه الذي يرفض منحه فرصة العيش الكريم لتحسين وضعه الاجتماعي وتحقيق ذاته الشخصية.. هذا الشعور يدفعه إلى البحث عن آليات تكفل له النأي عن معايشة هذا الواقع المؤلم، فيلجأ تلبية لدافع الانفصال عن الواقع إلى تعاطي المسكر وتتبلور لديه - وعلى نحو جدي - فكرة الانتقام من مجتمعه وربما تتجلى الذهنية الانتحارية فيعمد إلى إزهاق روحه ومفارقة الحياة.
خطورة البطالة تكمن في استهدافها لأكثر قطاعات المجتمع حيوية وحضوراً، وهم الشباب المكتظ بالطاقة والحيوية التي يؤدي تهميشها وعدم توظيفها في مساقاتها الموضوعية إلى توسيع رقعة البطالة وجعل الشريحة الشبابية مهيأة للاختراق الثقافي، ويسهل توظيف إمكاناتها خارج السياقات المشروعة، وتتحول إلى مادة طيعة قابلة للتشكل على نحو يحيلها إلى ميدان خصب لنمو السلوكيات التي لا تفضي إلا إلى مزيد من التأزم الحاد الخانق، مرحلة الشباب سلاح ذو حدين؛ فإن وظفت على نحو موضوعي فهي مصدر للبناء والإنتاج والعطاء الاجتماعي، وإن عوملت بعكس ذلك فيستحيل الفرد إلى قوة معطلة وعنصر مغيب وعالة على عائلته، وقد تجبره الخصاصة وانغلاق الأفق وعدم حصوله على مردود مادي يمكنه من مواجهة مستلزمات الحياة المتنامية إلى سلك المسارات المشبوهة ومباشرة الأعمال التي لا تؤدي إلا إلى ضروب من الانحطاط والغياب الحضاري.
البطالة علة تتصاعد أرقامها وتنتشر تجلياتها لتغطي مساحات رحبة من أرجاء الوطن العربي الذي يمثل عدداً هائلاً من الناحية الرقمية جلها من الشريحة الشبابية المتنامية باطراد جلي كقوة كبيرة تضغط بعنف على بنية النسيج الاجتماعي عبر سلسلة من المطالب والتطلعات والإشكاليات المتسمة بالتشعب والتعقيد... الشأن الذي يفرض على أرباب الاختصاص التواشج مع هذه الفئة والتعايش مع همومها وعقلنة ممارساتها والنهوض بآليات تفكيرها لتتحول من جماهير غوغائية صاخبة ضاجة فارغة غائبة الإرادة ومغيبة الوعي إلى طاقة بشرية قادرة على الإسهام في دفع مسيرة التقدم والنماء.
إن إشكالية البطالة حاضرة بنسب متباينة في بلاد العالم كلها، بيد أنها في العالم الأول هي نتاج المجتمع الصناعي وسيادة التكنولوجيا بخلاف دول العالم الثالث؛ فهي وليدة التخلف وسوء التنظيم وعشوائية الإدارة، هذه البطالة بدأت تجلياتها أكثر مثولاً ليس في الدائرة المتسمة بدونية المهارة وضآلة الخبرة وافتقاد الأساس التعليمي فحسب، بل امتد تأثيرها ليلامس الشرائح ذات المستويات العلمية العليا، وباتت تتصدر قائمة التحديات التي تواجه التعليم؛ ولذا فلا مناص من إعادة برمجة الخطط التعليمية وتحديثها وربطها بالتنمية لتتناغم مع متطلبات العصر ولتمتلك القدرة على استيعاب هذه الأعداد المتدفقة وتأهيلها بكفاءة عالية المستوى لتتحول إلى روافد إيجابية في عملية التنمية.
التوسع في الاختصاصات الحديثة والمتصلة بمهن المستقبل مطلب ملح يكفل لمخرجات التعليم مرونة كافية مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته.
إن ثمة ضرباً آخر من البطالة يتمثل في البطالة المقنعة الاستهلاكية التي يلاحظ اتساع دائرتها عبر فائض كبير في أعداد اليد العاملة التي تربو على الحاجة الفعلية، فهي تقبض أجراً دون أي إنتاج فعلي، وتتكدس على نحو يشكل رقماً فائضاً لا يسوغ وجوده.
كثير من الأجهزة الإدارية متخمة بالبطالة المقنعة وحجم التضخم فيها يتجلى على نحو يشكل عبئاً مادياً ومعنوياً مربكاً للعمل ومفضياً إلى تدني مستوى الإنتاجية لليد العاملة وضعف الكفاءة في التعاطي معها.
الإفراط في استقدام العمالة الوافدة وإغراق البلاد بموجها الهادر يعد من أكبر العوامل المفرزة للبطالة، إذ إن هذه العمالة التي جعلت من دول الخليج العربي بفعل ما يتوافر فيه من نمو اقتصادي مطرد هدفاً تيمم وجهها - على تباين مستويات تأهيلها - شطره قد عملت على احتكار ميادين عدة كانت الطاقات المحلية أولى بملئها، ومارست أنشطة متعددة آمنة من وجود ضوابط صارمة تحمي الكفاءات المحلية ما أسهم في حجب مهن كثيرة عن أبناء الوطن، هذا بالإضافة إلى ما تباشره هذه العمالة من أنشطة محظورة وما تفرزه من أنماط حياتية قد تؤثر في مستوى التماسك الاجتماعي وكذلك ما يحدثه تراكمها الفوضوي من مخرجات قد تسهم في نمو أنماط من الجرائم ذات المنحى التنظيمي.
إن ثمة أولوية تفرض ذاتها في هذا المجال تتمثل في تقليص نسبة العمالة، والحد من تدفقها وتقنين وجودها على نحو يدفع عجلة التنمية ويكفل في الوقت ذاته حقوقها الإنسانية.وفي سبيل احتواء إشكالية البطالة والحد من تفاقم مفعولها لا بد من الانعتاق من ثقافة العيب السائدة في الفضاء الاجتماعي إزاء العمل الحرفي والنشاط الحر البعيد عن قيود التوظيف. إن كثيراً من الشباب يرنو إلى العمل المهني بحسبه من الأعمال الدنيا؛ ولذا فهو يعزف عن مباشرته.
وصفوة القول: إن تحجيم هذه الإشكالية والحيلولة دون تمددها تجعلنا نرشد النظرة للعمل اليدوي ونتجاوز النظرة الدونية له عبر نشر الوعي العميق بقيمة العمل، وعبر بذل الجهود التوعوية الرامية لتضئيل الهوة بين الواجب والواقع ومن ثم توحيد الواقع مع المثال.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved