| |
الرفق وأثره في التربية عبد الكريم بن صالح المقرن / الرياض
|
|
إن التلطف مع الصغار، ومؤانستهم، وإدخال السرور على قلوبهم، وتطييب خواطرهم وإدخال الفرحة عليهم، كل هذه أمور محببة إلى النفس، وهي من الأمور التي تقرب إلى الله تعالى، وقدوتنا في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان المثل الأعلى في ذلك، والنموذج القدوة، والنبراس المنير في حسن التعامل مع الصغار والإحسان إليهم، وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالعيال)، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (كان يقبل الحسن، ويضمه، ويشمه)، وكذلك (كان صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهشّ إليه)، ولما سجد عليه الصلاة والسلام يوماً في صلاته جاء أحد أولاده الصغار فركب على ظهره، فأطال النبي صلى الله عليه وسلم في السجود حتى نزل الصغير، ثم قال: (إن ابني هذا قد ارتحلني فكرهت أن أقطع عليه لعبه) أو كما قال.. وكان يداعب الصغار كثيراً، رأى يوماً طفلة صغيرة قد لبست ثوباً جديداً فقال لها: (هذا سنَّا يا أم خالد، هذا سنَّا يا أم خالد)، وكان يرى أخاً صغيراً لأنس بن مالك وكان له طائر صغير يقال له النغر، فمات الطائر، فكان إذا رأى الغلام تبسّم عليه الصلاة والسلام ويقول له: (يا أبا عمير، ما فعل النغير). وأحواله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة، وما أحوجنا إلى الاقتداء به عليه الصلاة والسلام في هذا المضمار؛ فإن الرفق والرحمة والحلم والوقار من أعظم أسباب النجاح في تربية وتوجيه الصغار. لا أنسى ما حييت ذلك الرجل الكبير الطاعن في السن الذي أحبه الصغار في حيِّنا القديم، وكان - رحمه الله - لم يُرزق بذرية، لكنه كان يحب الصغار حباً جماً، وكان يملأ جيوبه بالحلوى، من المصاصات والقريض والتوفي والملبس، وإذا قابل الأطفال الصغار وهو في طريقه إلى المسجد كان يسلم عليهم ويقبل بعضهم ويداعبهم ويعطيهم من الحلوى، وكان الصغار يلتفون حوله عندما يحضر في أيام الأعراس والأعياد ونحوها ويحيطونه بالتقدير والاهتمام، ويتجمعون حوله لينالوا من هذه الحلوى. وبعد سنوات توفِّي هذا الرجل، ولن أنسى ما حييت منظر ذلك الطفل الصغير الذي جلس على باب بيته حزيناً كئيباً قد أسند خدَّه على يده حزناً عندما علم بوفاة ذلك الشيخ الطيب. في الحقيقة، إنني أعجب من أولئك الذين يعاملون الصغار بقسوة وشدة وغلظة وجفاء، ويظنون هذا أسلوباً ناجحاً في تربية الصغار، فلا يتقبل منهم الصغار توجيهاً، بل يكرهون ويبغضون رؤيتهم ولا يميلون إليهم، وهذا الأسلوب لا يثمر أبداً نشئاً صالحاً، ولا يخرِّج عناصر نافعة للمجتمع. إنني أدعو الجميع إلى انتهاج أسلوب الرحمة مع الصغار، والتلطف معهم، والتودد إليهم، وتقديم النصح والتوجيه لهم في قالب أبوي حنون، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فبهذا نكسب محبتهم، ونملك قلوبهم، ونجد منهم الاستجابة للتوجيهات وقبول النصح.. والله من وراء القصد.
|
|
|
| |
|