مفهوم التنمية الشاملة

في جولة الخير التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين حالياً على مناطق الجنوب ترتسم وقائع وإنجازات على ساحة التنمية تترجم على أرض الواقع طروحات التنمية الشاملة، فغياب الشمول في حركة البناء والنماء يخلق تشوهات ملحوظة، وهذا ما تعاني منه معظم الدول النامية المترهلة بالسكان في حواضرها الكبرى والمفتقرة للكثافة البشرية والمقومات الحياتية في الأطراف ومناطقها الريفية.
في المملكة الدولة القارة، كما يحلو للكثيرين تسميتها، فإن تتابع الإنجازات وانتشارها في المساحة الواسعة لها حقق قدراً كبيراً من الاستقرار للسكان، وفي الجولة الحالية فإن هذا التوجه يتواصل، حيث إننا بصدد مشروعات تتكلف عشرات المليارات من الريالات وتمس جوانب الحياة كافة وعلى رأسها التعليم والصحة، والأمثلة على ذلك: مدينة الملك عبدالله الصناعية باستثمارات تبلغ 70 مليار ريال والمجمع الطبي في عسير الذي تتجاوز تكلفته المليار ريال، فضلاً عن جامعة مستقلة في نجران، إلى جانب نقل المياه إليها من الربع الخالي بما يعادل 600 مليون ريال، وبصفة عامة فإن الحديث يدور حول مشروعات تتجاوز عشرات المليارات من الريالات.
هذه مجرد أمثلة للحراك الاقتصادي والتنموي العام المنتظر في المناطق الثلاث، والذي يؤمل أن يشكل نقلة أخرى نوعية مثلما حدث في سنوات الطفرة الأولى التي تواصل فيها الجنوب مع بقية أنحاء المملكة بعد ملحمة الطرق التي أحالت أعالي الجبال والعقبات إلى ممرات وطرق ميسرة وسهلة بعد جهد كبير بذل فيها، تم خلاله الاستعانة، في بعض الأحيان، بتقنيات تستخدم لأول مرة في العالم لإقامة الطرق وشقها عبر الجبال.
ومع هذه التدفقات الخيرة تنساب مشاعر الود والإخاء المتبادلة بين القيادة والمواطن، حيث يبرز التصميم على تلبية الاحتياجات بما يرتقي إلى مستوى الطموحات كما يتجدد العزم على مقابلة هذا العطاء بما هو أكثر منه، ووفقاً لهذه الصيغة المثلى في العطاء المتبادل تتحقق للوطن ككل المزيد من المكاسب، فالمشروعات الجديدة تستوعب المزيد من الشباب كعاملين ليزدهي الوطن بكل هذه الجموع من مواطنيه وهم ينخرطون في مختلف مواقع البناء والعمل.
ووفقاً لهذه الصيغة أيضاً يزداد الالتفاف نحو الأهداف العليا للوطن والحرص على تنفيذها والوفاء بمتطلباتها، دون الالتفات إلى صغائر الأمور والمعوقات التي يحاول البعض الدفع بها لتعطيل انسياب العمل.
فقد أشار خادم الحرمين الشريفين وهو يخاطب مواطنيه في نجران، أول محطات هذه الجولة، عن فشل مساعي الذين يحاولون الدس بين الدولة وأبنائها، ومثل هؤلاء هم الذين يهمهم أن يحبطوا تدفقات الخير، غير أنهم لن يستطيعوا مواجهة هذا العزم القوي لترسيخ واقع أكثر ازدهاراً.
إن الرد القوي على مثل هذه المحاولات اليائسة البائسة هو المزيد من العمل والمزيد من العطاء، ولعلنا أمام مثل طيب، خلال هذه الجولة، على الالتزام بالمضي قدماً في طريق البناء والنمو، فوقائع هذه الزيارات تشير، في كل مراحلها، إلى الروابط الوثيقة بين القيادة والمواطن فضلاً عن الحرص الشديد على الإنجاز المتتابع المتنامي، وكل ذلك من شأنه إبعاد المعوقات والصغائر عن هذه المسيرة الخيرة بإذن الله.