ترافق إعلان القائمة الطويلة سابقاً والقصيرة مؤخراً للأعمال المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، التي تعد أكبر جائزة أدبية في العالم العربي، مع كثير من النقد وخيبة الأمل، نتيجة خروج الرواية السعودية من قائمة الترشيحات، إضافة إلى عدم الرضا التام عن الأعمال المرشحة باعتبارها لا تمثل بالنسبة للعديد من الأدباء والنقاد والمثقفين العرب المنجز الروائي العربي الأكثر جودة قياساً بالمتوافر حالياً على الساحة.
وباعتبار أن الدورات السابقة كذلك، ومنذ انطلاق الجائزة في العام 2007، لم تتوج الأفضل دائماً حتى على مستوى منجز الكاتب الفائز نفسه، بسبب ترشيح العمل الأخير للمبدع من قِبل دار النشر التي تولت طباعته. فرواية مثل (إنها ترمي بشرر) للروائي السعودي المبدع عبده خال مثلاً، التي حصدت البوكر عام 2010، اتفق عدد غير قليل على أنها ليست العمل الأفضل له، وهكذا بالنسبة لآخرين فازوا بها. واتهم البعض القائمين على الجائزة بأنهم يقسمون الاختيارات في القائمة القصيرة على أرجاء العالم العربي لإرضاء الجميع بشكل دوري، مؤكدين أن هذا أسلوب يجب أن يُنتقد.
وبغض النظر عن مثالب جائزة البوكر العربية فحسناتها ملحوظة، ويكفي أنها عرَّفتنا بمنجز العديد من المبدعين العرب، وربما شجعت بعضهم على اجتراح فن الكتابة، وتطوير موهبته؛ فمقدارها مشجع؛ فهي تبلغ 50 ألف دولار، وهو مبلغ كبير، ويعد حلماً، يتطلع له الكثير من المبدعين العرب المطحونين، كما أنها - من جهة أخرى - تضمن للفائز عقوداً مربحة لنشر رواياته بالإنجليزية وغيرها من اللغات، وهو ما يحلم به الكتّاب العرب المغمورون أيضاً مهما بلغ مستوى إبداعهم؛ لتغدو بذلك مفتاح الثراء والشهرة معاً.
مع الالتفات إلى أن الجائزة لا تُعد النشاط الثقافي العربي العالمي الوحيد الذي يجير للمؤسسات الثقافية الإماراتية؛ فهناك أيضاً بعض الجهود ذات الطابع العالمي الأخرى، منها مشروع إنشاء فرع لمتحف اللوفر، وآخر لمتاحف جوجنهايم بنيويورك.
من جهة أخرى، فقد أُعلن مؤخراً فوز الناقد والروائي المغربي محمد برادة بجائزة المغرب للكتاب (صنف السرديات والمحكيات) عن روايته التي كانت ضمن القائمة الطويلة للبوكر (بعيداً عن الضوضاء قريباً من السكات)، وذلك خلال تقديم برنامج المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء (13 - 22 فبراير الجاري) في المغرب، الذي يشهد اهتماماً ملحوظاً بفن السرد على مستوى إقامة الفعالية والحركة النقدية؛ الأمر الذي أحدث طفرة سردية لدى كتّاب المغرب في السنوات الأخيرة.
وبالنظر للساحة الثقافية المحلية، ورغم أننا نعيش منذ سنوات طفرة روائية لفتت أنظار العالم، إلا أننا نجدها تكاد تخلو تماماً وتفتقر لاهتمام حقيقي بالحركة السردية ولجائزة حيوية يعتد بها، تهدف لتنشيط الحركة السردية بنوعيها (القصصي والروائي)، وتنحو منحى المكاشفة، ويعرف بلجنة التحكيم فيها وبمعايير تقييم الأعمال، ويكون لها قوائمها المعلنة، وتكون مجزية، فضلاً عن وجود جائزة سردية يتخطى اهتمامها المحلي؛ ليصل إلى المنجز العربي أيضاً كما هو شأن جائزة عكاظ بالنسبة للشعر التي يغيب عنها السرد - للأسف - رغم أن السرد والشعر فنَّان متلازمان، ووجهان إبداعيان لعملة واحدة؛ فالسارد يعبّر عن مكنوناته وما يكتنز به من تجارب حياتية وفكرية عبر السرد، والشاعر يعمل على تكثيف جميع ذلك وإطلاقه في صورة أيقونات شعرية.
ولا شك أن هذا التغافل على المستوى الفردي من قِبل النقاد، والمؤسساتي من قِبل الأندية الأدبية ووزارة الثقافة وبقية المؤسسات التي يمكنها القيام بهذا الدور المهم تجاه المنجز السردي المحلي بنوعَيْه، الذي يفتقر غالبيته لمقومات التشجيع والتحفيز والمساندة، خاصة القصصي منه، انعكس سلباً عليه، وأدى لتراجع ملحوظ فيه على مستوى الكم والكيف أيضاً.
والحقيقة أن منجزنا الأدبي بوجه عام، والسردي على وجه الخصوص، بحاجة لاهتمام والتفاتة جادة وابتكار محفزات عدة، توضع بعد عملية دراسة دقيقة للعمل على دفعه نحو اجتراح مزيد من التطور والابتكار والقدرة على المواكبة العالمية، والدفع به حثيثاً نحو دائرة الضوء؛ ليُقرأ ويُعرف ويتنافس ويترجم.
وهنا أجدها فرصة سانحة لأكرر سؤالي القديم لإدارة نادي أدبي الشرقية حول مشروع ترجمة (نصوص قصصية وشعرية لكتّاب سعوديين)، الذي ما زلت أتلقى رسائل واتصالات من الأدباء الذين كنت أتصل بهم لأخذ نصوصهم له، تسألني عنه بحكم عملي محررة للنصوص العربية فيه، وأعيد معهم السؤال الذي تعبت من الإجابة عنه: يا إدارة نادي الشرقية الأدبي، متى سيخرج مشروع الترجمة من الأدراج إلى دائرة الضوء؟
وها هو الدعم الملكي (10 ملايين ريال) يتدفق على الأندية الأدبية؛ لتتمكن من أداء واجبها الأكمل لخدمة الأدب والثقافة، والأدباء يترقبون انعكاساته على الساحة الأدبية وتأثيراته على المنجز وتنشيط الحركة الثقافية. وبإمكان الأندية الأدبية التي تعاني سبات شتوياً التعاون فيما بينها، واقتطاع جزء من الملايين العشرة للخروج بجائزة قيمة، تهتم بالمنجز السردي، وتدعم حركته.
فماذا ينقصنا حقًّا لتكون لنا جائزة سردية قيمة، تهتم بالسرد أياً كان مسماها، كمظهر ثقافي وإنساني حضاري، يعمل على تنشيط حركة السرد لدينا وتجويدها.. ولدينا - ولله الحمد - من مقومات القيام بذلك الكثير، ومن الطاقات البشرية النقدية والإبداعية الكثير أيضاً؟
شمس علي - الدمام