اللوحة «1»
( أُصَادقُ الشَّوارع )
هكذا كانَ يُلَوِّحُ للسلام، وفي سلامٍ بِكِلتا يَدَيْهِ
يُيَمِّمُ وجهَهُ نحوَ القوافِل كَـ تائهٍ وفي عينيْهِ ألف طريقٍ
وبين الخُطَى ريحٌ و شُعلةُ موْقِدْ وسراجٍ يقتاتُ على
صوتهِ الـ يُشبِهُ أداة الكتابة المطمئِنَّةِ بروح الله
ليزرع في الشوارع كل الذي لم يأتِ!
اللوحة «2»
(أُصَادِقُ النّخيل)
كانت محاولاتٌ جليلة لتقليص أوراق الشجر التي غطَّتْ عيوب الشوارع
بقصائِدٍ يُزجِي خريفها سبائِكَ في فم الربيع..
تحت النخلة يرقدُ شاعرٌ هَزُّ جذعَ الحياة بجَشعٍ مُفرَط
فتساقطَ الحزنُ مدراراً علينا كَـ سلسبيلٍ مهمته الكبرى
ترسيخ صوت الشعر والشعراءِ في ذاكرة الأشياء التي لا تُعدَم !
لوحة «3»
(أُصَادِقُ المدينة)
الراحلون قد يصنعونَ وطناً يتّسعُ لقتل الصمتِ المنتشر
في جوف الفراغ والمنفى..
وقد يمشّطون خصلات عقولهم بحكمةٍ قبل أن يساقطها
الريح بعبثٍ السَّعَفِ ..
وقد يصنعونَ أبطالاً من أرق ليجلدوا الكلام المتخثّر على أفواههم
ولو بظاهرة: شعرية!
وتبقى مواسم الإِسْرارِ تُقلِّمُ الخاتمة بِقَفْلةٍ حداثيّةٍ رائِدَة
(لا أظنُّ لها أيَّ بابٍ
وأرجاؤها حاقدة،
لا نوافذ، لا موقدٍ، لا سريرَ
ولا لوحةٌ في الجدارِ، ولا مائِدة)
اللوحة «4»
(أُصَادقً البلابل)
أولئِكَ الذين يتلذّذون بِصوت العنادل
أيّ منامٍ هذا الذي أنصفهم
حين فركّتْ أعينهم الحياة وهم يحبسون مواويلهم تحت حنجرةٍ
تلتحفُ ريق الجفاف عند كل صباح!
أولئكَ الذين يملكون تجسير الهوّة وتفسير النداء الذي استجدّ
كلما قلنا الأخير!
أولئك الذي صرخوا يوماً خارج أوقات الذروة
ووضعوا النقطة التي ينتهي بها جمال الحياة
وتركونا وهم ساكنون فينا..
اللوحة «5»
(أُصَادِق الحجارة)
ما أقبح الرمية التي لا تفهم الشاعر!
«أتُدركُ ما قالت البوصلة؟!
زمني عاقرٌ
قريتي أرملة
وكفّي مُعلّقةٌ فوق باب المدينة
منذ اعتنقتُ وقار الطفولةِ
وانتابني رمدُ المرحلة!»
كل التلويحات لا تقتل الفقد..
وكل الرسائل التي نعرف أنها لن تصلك
في أي يومٍ من الأيام!
صببنا عليها كؤوس قصائدك التي آوتنا
وأوَت كل أسئلة الغياب التي لا تنتهي
لنستحضركَ عند كل غيابٍ و صبرٍ جميل!
أيها الشِّعرُ، والقوافل، والسنبلة، والرمل، والرحى،
والسحابة، والمطر وكل الأشياء الجميلة التي تنزلق
من مبسم الطبيعة لتكتبك ذكرى تعلمنا الحزن قبل أي شيء!
للقلوب الراحلة...
للقصائد التي تسكن قلب وطني..
وللحنين البعيد:
يا سيَّد البيد
(للهِ ما أجمَلَك)!
إيمان الأمير - مكة المكرمة
@emanalameer