ارتكزت الرواية فنياً على أسلوب المفاجأة والتشويق
ينتهج الروائي علي الماجد روايته الجديدة «رسائل ودم بارد» أسلوب الكتابة البوليسية التي قل أن تطرق هذا اليوم، إلا أن هناك من لا يزال يتفاعل معها من القراء، فيما كُتَّاب هذا اللون ومنهم الماجد يبرعون في تقديم رؤية عصرية لحالة الجريمة وعلاجها ومتابعة خفاياها، والأخذ بأسلوب المفاجأة والتشويق كعناصر تحشيد فنية للرؤية سعيا إلى الحقيقة من خلال جملة من الصور التي يحرص عليها الراوي، وهي جوانب مضيئة في النص، تعتمد على عرض الكثير من الصور والمشاهد، والتعاطي مع مثل هذه الألوان من القضايا، بل إن هناك انفتاحا قويا على تلك الأحداث المتواترة في النص ولا سيما أن طابعه حدث بوليسي يعتمد على التقصي والحدس والفراسة والتفتيش في كل التفاصيل التي تتوارد حول هذه الحكاية أو القضية، أو لنقول عنها «الجريمة» في العرف الاجتماعي.
تشير تفاصيل الرواية إلى أن هناك تنافسا بين جيلين من المحققين تزعموا هذا القضية، وعكفوا على كشف خباياها وأسراها وغموضها، فيما جاءت التجاذبات والمواقف مثيرة، ليس في سير التحقيق وحسب إنما بتنافس أفراد الأمن الموكل لهم بحث هذه القضية وكشف ملابساتها وتقديم الجناة للعدالة بأسرع وقت ممكن، لينتج عن هذا التنافس في هذا المجال مما يعزز رؤية الراوي أن جيلا جديد من المحققين في قضايا الجريمة باتوا أكثر قدرة على المنافسة لما يمتلكونه من وسائل عصرية تسهم في تحقيق العدالة وكشف خبايا وغموض بعض الأحداث.
أضف إلى ذلك دخول العنصر البشري النسوي ممثلا بالمحقق «صباح» وهي شابة تخرجت في هذا الحقل وعهد إليها بمتابعة قضية سيارة البريد، وما نتج عنها من أحداث وتواترات قضايا متداخلة، وسعيها مع زملائها لكشف الغموض الوارد في مثل هذه الجرائم.
القضية المحورية هي موقف طريف لموظف مكتب البريد الذي جاءت مفارقة القدر أن يكون في آخر مهمة له في العمل حينما نقل طرودا من المقر الرئيسي إلى (مكتب 26)، ليتعرض إلى حادث أليم ويصاب إصابة أليمة، فيما يتوفى من هو في الطرف الآخر، ليكشف هذا الحادث المعتاد عند إشارة المرور حوادث أخرى وتفاصيل جريمة معقدة يبرع جيلين من المحققين في اقتفاء تفاصليها بشكل جميل ومتقن.
لقد انعكست قدرة الكاتب الماجد وأسلوبه الفني على سبك هذه اللغة واختيار عبارات موفقة، وجملا فنية تدخل في صلب العمل وتقنياته، أضف إلى ذلك فإنه عمد إلى فن الوصف، حيث برع في رسم الشخصيات بشكل مدهش وكأنك تتحرك معهم في مسرح الجريمة؛ من مكتب البريد إلى أقسام الشرطة، إلى المستشفى والمشرحة، ومراكز أخرى حيث تختزن هذا المقرات والأماكن الكثير من الأحداث والمفاجآت المدوية.
ظل الماجد محافظا في هذه الرواية على شد وتر السرد، إِذْ لم يتراخَ أو يتكاسل في شحن الشخصيات وتقديمهم في كل محور ولا سيما في الأيَّام المتتالية، التي جاءت بعد تداعيات القضية أو الجريمة التي حصلت في عرض الشارع، ومن ثم تفاعلت بشكل متقن جعل منها مشهدا إِنسانيا غاية في التصوير.
أما بيئة القص أو السرد في هذه الرواية فإنها عمدت إلى اقتفاء الخطاب السردي المتكئ على تقارير أو محادثات أو حوارات وجدل فني بين هذه الفرق التي تعكف على تفكيك هذا اللغز وتحليله، ليصبح متاحا للجهات المعنية إصدار حكم مبدئي فيه لخلق فضاء من القدرة والمعرف التي يتسلح فيها هؤلاء، وان كانت هناك مواجهات وتنافس في المهنة التي يبدو أن الجيل الجديد بحاجة إلى أن يثبت ذاته وينقل خبراته البسيطة على بساط التجربة أو مسرح الجريمة، فيما يأتي دور الخبرة في السعي إلى تقديم مشورة، أو مشاركة فعالة تختصر الكثير من الصور.
برع الروائي علي الماجد في تحويل هذه الحكاية الإِنسانية أو القضية الجنائية إلى أسلوب أدبي تتبع فيه منعرجات هذه القضية التي تحولت عبر صفحات هذه الرواية إلى وثائق غاية في المصداقية، وتطبيق معايير العمل الفني الاحترافي، ليكون العمل السردي مقنعا كرؤية فنية ومتقنا كعمل أدبي أضيفه إلى المكتبة الإبداعية التي لا شك انه ينقصها مثل هذه الأعمال الأدبية البوليسية التي تنجذب إليها فئة من القراء، وما الماجد إلا واحدا من هؤلاء المبدعين الذين اختطوا لأعمالهم بعد فنيا يتعلق بالأدب البوليسي وما يتركه من متعة وتشويق وعناصر مفاجأة وأطوار غريبة، تسهم في التعبير عن حالة يعيشها الناس ويتفاعلون معها بشكل مميز.
** ** **
إشارة:
- رسائل ودم بارد (رواية بوليسية)
- علي محمد الماجد
- دار الكفاح ـ الدمام ـ 2014م
- تقع الرواية في نحو (260 صفحة) من القطع العادي