سررت بمفاجأة لطيفة ومبادرة مشكورة تلقيتها من الأستاذ عُباد بن علي الهيّال أحد أبناء اليمن الأعزاء، نسخ من كتابه القيم، كَتب على إحداها إهداءً لطيفًا يليق بكرمه.
يظهر العنوان (في لغة أهل اليمن) دقة صياغة، فالكتاب على الرغم من موسوعيته وعمق محتواه لا يزعم صاحبه له الاستقصاء؛ ولذا ظهر هذا العنوان على الغلاف بالخط العربي الشمالي وبالخط المسند أيضًا.
جعل المؤلف كتابه في قسمين، أما الأول فهو جملة نصوص تعبر عن سعة اطلاعه ومعرفته بشؤون اليمن التاريخية واللغوية، ويظهر هذا في حسن تخيره للنصوص الكاشفة عن جوانب مضيئة من شؤون اليمن الحضارية وثقافته ولغته، ويظهر أيضًا في جملة من التعليقات والمناقشات التي يعالج بها النصوص التي يوردها.
وخصص المؤلف القسم الثاني للغة، تحدث فيه عن اللغات العروبية السامية وعن كتابة أهل اليمن، وتحدث في هذا الإطار عن لغات مستعملة في جهات متصلة باليمن؛ ولكنها ذات تميز لغوي وهي الشحرية والمهرية والسقطرية، وازن المؤلف بين هذه اللهجات والعربية الفصيحة من حيث أصواتها ومفرداتها، ووازن بينها وبين العاميات في اليمن ملمّاً بشيء من مظاهر قدم هذه اللهجات، وخصص المؤلف جانبًا صالحًا من كتابه للحديث عن النقوش المكتوبة بخط المسند، وهو الخط الذي كتبت به العربية الجنوبية، وأعقب ذلك بحديث عن المعجم السبئي المستخلص من جملة النقوش، وهو المعجم الذي صنعه محمود الغول من الأردن وفالترموللر الألماني وبيستون الإنجليزي وجاك ريكمانر البلجيكي. أبدى المؤلف بعض الملاحظات على المعجم واستعرض بعض الجوانب اللغوية كالإبدال، ووازن بين بعض ما جاء من ألفاظ في هذا المعجم وبين ما بقي منها مستعملاً عند الناس في اليمن اليوم، وأعقب ذلك بوقفة عند المعجم اليمني، وهو المعجم الذي صنعه مطهر بن علي الإرياني مناقشًا محتوى المعجم مضيفًا بعض ألفاظ انتقلت من اليمن إلى غيرها مع المهاجرين إلى نجد والعراق والشام ومصر وغيرها من البلاد. ومن هذه الألفاظ التي عدّها رحلت إلى الشام الفعل (شبَح) بمعنى أمسك بإحكام، وعرض لتفسيري للفظ (الشّبّيحة) الذي تكرر استعماله مؤخرًا، وخالفني في التفسير فهو يراه من الفعل اليمني الذي رحل إلى الشام، وقد دفعني قوله هذا إلى مزيد بحث فوجدت في (موسوعة العامية السورية) لياسين عبد الرحيم، التي نشرتها وزارة الثقافة السورية في 2012م، قوله: «شبح مد ذراعيه. وفي القاموس: شبح الجلد مده بين أوتاد. شبح: بالغ في كلامه، شبح: تجاوز حده واعتدى على غيره. ولغة شبح الرجل كبِر فرأى الشبح شبحين، والشيء جعله عريضًا»(1)، وهو معنى مختلف عن المعنى الذي ذكره، وأما عن شبّيحة فجاء في الموسوعة: «شَبِّيْح: مبالغ في حديثه. -:المتجاوز حدّه والمعتدي على حقّ الآخرين. وجمعه (شَبِّيْحَة)»(2). ولست على يقين من قدم الاستعمال المذكور في الموسوعة؛ فقد يكون إضافة حديثة من وحي الأحداث الراهنة، ومن الغريب أن الكلام عن (شبيح) أقحم بعد كلام عن مدخل (شبيع)، وربما أنه إضافة ليست موجودة في الطبعة الأولى (2003م).
ولولا الملابسات الخاصة المصاحبة لاستعمال الشّبّيحة جمع شبّيح أي ذو الشبح، وهو لقب أطلق على نوع من أنواع سيارات المرسيدس في الشام وغيرها، أقول لولا تلك الملابسات الكاشفة عن معنى اللفظ لكان ما ذهب إليه المؤلف له ما يسوّغه. وكل من سألته من علماء اللغة السوريين ينفون معرفتهم باللفظ، وما ذكرته من ملابسات اللفظ مستفاد من إفادة أحد هؤلاء العلماء.
يبقى أن كتاب (في لغة أهل اليمن) جهد كبير مهم لمن أراد أن يلمّ بهذا الموضوع؛ إذ استطاع أن يزوي في حيّز واحد كثيرًا من المعلومات المتفرقة في كتب كثيرة، ولم يكتف الأستاذ عُباد بن عليّ الهيّال بالجمع بل ناقش وعلّق وأضاف.
** ** **
(1) ياسين عبد الرحيم، موسوعة العامية السورية (وزارة الثقافة/ دمشق، 2012م)، 2: 1281.
(2) ياسين عبد الرحيم، موسوعة العامية السورية (وزارة الثقافة/ دمشق، 2012م)، 2: 1283.
- الرياض