الثقافية - عطية الخبراني :
حول المعجم
بعد جهد مضنٍ وسنوات طوال قضاها الباحث الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب في جمع المادة العلمية والتراثية لهذا العمل, صدر حديثاً معجم مطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية, حيث قضى الدكتور الضبيب في جمعه وترتيبه والتعليق عليه قرابة الأربعة عقود ليخرج مؤخراً عن كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها.
المعجم صدر في ثمانية مجلدات وعدد أبوابه عشرة على النحو التالي: الباب الأول «كتب علوم القرآن الكريم», الباب الثاني «كتب علوم الحديث النبوي الشريف», الباب الثالث «كتب العقيدة», الباب الرابع «كتب الفقه وأصوله»، الباب الخامس «كتب اللغة والنحو والعروض»، الباب السادس «كتب الأدب», الباب السابع «كتب البلاغة والنقد الأدبي», الباب الثامن «كتب التاريخ والسير والتراجم», الباب التاسع «كتب الجغرافية والرحلات», الباب العاشر «علوم متفرقة».
يُذكر أن الدكتور الضبيب هو رئيس مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية الخيرية, ومدير جامعة الملك سعود سابقاً, وله العديد من الجهود البحثية والمشاركات الدولية في خدمة اللغة ودراساتها.
كرسي المانع
أما صاحب الفضل في إخراج هذا المعجم بعد صاحبه فهو المشرف على كرسي الدكتور المانع لدراسات اللغة وآدابها, وحين أرادت الثقافية التواصل معه من أجل الحديث عن جهود الكرسي وبعض القضايا الثقافية والكثير من جهوده الأدبية والعلمية والبحثية والتي يقدمها الكرسي البحثي المسمى باسمه رد قائلاً: «لا أعرف أني خرجت في صحيفة أو إذاعة أو تلفريون في حياتي, أتريدني وقد شارفت على السبعين أن أخرق القاعدة»!.. وكأنه بهذا الرد يرسل رسالة للمتهافتين على بقع الضوء والمشغولين كل يوم بملء مساحات الحضور والمشاركة في كل مكان دون أن يقدموا ما يشفع لهم، وهو الرجل المثقف والعالم الضليع بعلوم اللغة والمهتم بدراساتها دعماً وبحثاً ورصداً.
الدكتور عبد العزيز من مواليد محافظة شقراء عام 1945م, وتخرج في كلية اللغة العربية بالرياض عام 1966م, وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة إكستر ببريطانيا في نوفمبر عام 1976م، وموضوعها: (ابن باطيش الموصلي وكتابه غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل: دراسة وتحقيق).. عمل في التدريس مستقراً وزائراً في العديد من الجامعات السعودية والعربية والأجنبية, وعضواً في العديد من الهيئات الاستشارية في المملكة وخارجها, كما أن له الكثير من المشاركات في المؤتمرات والندوات العلمية وله جهود واسعة في تحقيق المخطوطات والكثير جداً من البحوث في مجال اللغة العربية, كما حصل الدكتور المانع على جائزة الملك فيصل العالمية في فرع اللغة والأدب لعام 2009م عن موضوعها: (تحقيق المؤلفات الأدبية الشعرية والنثرية المصنفة بين القرنين الثالث والسابع الهجريين), والذي جعل جامعة الملك سعود تعلن عن مبادرتها بإنشاء كرسي بحثي يختص بدراسات اللغة العربية وآدابها باسمه وأسندت مهمة الإشراف على الكرسي للدكتور المانع نفسه. وأما رؤية كرسي المانع البحثي فهي أن الكرسي يعمد إلى تشجيع البحث والدراسة في علوم العربية وآدابها، وإلى تطوير مناحي درسها، بما يكشف عن قدرتها في توصيل العلوم الحديثة، وينمّي قدرة أبنائها على التواصل المعرفي مع منجزات تراثهم الحضاري.. كذلك يعمل الكرسيّ على تصميم برامج عملية في تنمية مهارات اكتساب العربية وتعلمها، ووضع التصورات لنشرها في أنشطة المجتمع المختلفة.
حوار مع الضبيب
«الثقافية» حاورت الدكتور الضبيب حول معجمه الصادر حديثاً كما عرجت على العديد من القضايا الثقافية, حيث أكد الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب أن علم الببليوجرافيا من أهم العلوم التي تيسر الوصول إلى العلوم المختلفة وتوفر وقت الباحث، كما أنه يعرض الوجه الحقيقي لمستوى الدولة في إنتاجها العلمي والأدبي.. ويتابع: إن ما يعرف عن حركة النشر في المملكة قليل مع أن المملكة هي ثاني ناشر بالنسبة لكمية المطبوعات في البلاد العربية قاطبة بعد مصر، كما أثبت ذلك تقرير مؤسسة الفكر العربي, فلا بد إذن من التعريف بهذا النتاج, ولذلك فإن من الضروري تشجيع الذين يعملون في هذا الحقل من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة, وعلى الرغم من أن مكتبة الملك فهد الوطنية تعمل مشكورة في الحقل الببليوجرافي عن طريق إصدار الببليوجرافيا السعودية اعتماداً على نظام الإيداع، إلا أننا في حاجة إلى الببليوجرافيات المتخصصة في كل علم، كما أننا في حاجة إلى الكشافات لما يصدر عن بلادنا من بحوث في المجالات المختلفة داخل المملكة وخارجها, وأعتقد أن من مهام وزارة الثقافة والإعلام التعريف بنتاجنا العلمي، بإصدار مثل هذه الأعمال وتشجيع العاملين في هذا المجال.
الصعوبات
وعن أبرز الصعوبات التي واجهها في جمع المادة العلمية لمعجم مطبوعات التراث في المملكة يجيب الضبيب: العمل الببليوجرافي عمل شاق بطبيعته، ولا يعرف مقدار مشقته إلا من مارسه، فهو يتطلب الدقة في جمع المعلومات وتسجيلها، ولذلك فإنني قمت بنفسي بجمع كافة المعلومات وكتابتها، ومراجعتها أكثر من مرة، وكما هو واضح لمن اطلع على الكتاب فإن معظم الكتب قد تصفحتها بنفسي ووصفتها عن قرب, والحصول على هذه الكتب ليس من السهل، فإلى جانب استفادتي مما بقي من مكتبة جدي ومكتبة والدي، وكذلك ما تضمه مكتبتي الخاصة فقد قمت بجرد بعض المكتبات الكبيرة شخصياً كالمكتبة المركزية بجامعة الملك سعود، وبعض المكتبات الأخرى، والمكتبات الخاصة، كما أفدت من معارض الكتب المقامة في الرياض، وكثيراً ما أثقلت على الناشرين وأصحاب المكتبات التجارية، بالوقوف ساعات في منصاتهم ونقل المعلومات عن بعض الكتب، وكنت أشتري أحياناً بعض الكتب الصغيرة غير الباهظة في الثمن تسويغاً لبقائي مدة طويلة بين أرفف كتبهم, كما استنفدت الطاقة في الاطلاع على ما صدر من أعمال ببليوجرافية تختص بكتب التراث أشرت إليها في المقدمة، وجعلتها دليلاً للحصول على الكتاب المراد ضمه إلى المعجم, وقد أمضيت الساعات الطوال أبحث في الشبكة عن الكتب وأوازن بين طبعاتها، والحقيقة أن العمل الببليوجرافي مستهلك للوقت بشكل كبير، فكثيراً ما يمضي الإنسان الكثير من الوقت دون نتائج تذكر.
أربعون عاماً
ويستطرد الضبيب قائلاً: إن كتاب «معجم مطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية» هو نتاج سنوات كثيرة من البحث تزيد على الأربعين عاماً فقد قدمت في سنة 1394 هـ بحثاً في المؤتمر الأول للأدباء السعوديين بعنوان «نظرة في حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية»، ومنذ ذلك التاريخ شغلت نفسي بهذا الموضوع، الذي نشرت فيه بحوثاً متعددة في مجلة (الدارة) منذ العدد الأول منها, وقد تابعت مواكبة حركة نشر التراث وتحقيقه منذ ذلك الوقت حتى الآن، وتمخض عن ذلك كتاب بعنوان «حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية» (تحت الطبع)، وهو دراسة متأنية تأريخية تحليلية نقدية لهذه الحركة التي بدأت منذ دخلت المطبعة بلادنا في سنة 1300هـ حتى الآن, وظهر من عباءة هذا المشروع كتابان هما كتاب «آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب» الذي صدرت طبعته الثانية عن دار المريخ سنة 1402هـ/1982م، وكتاب «بواكير الطباعة والمطبوعات في بلاد المملكة العربية السعودية»، وقد نشره مركز حمد الجاسر الثقافي سنة1427هـ/2007م, وقد تجمعت لدي معلومات كثيرة عن الكتب التراثية الصادرة لدينا في أضابير متعددة، فرأيت أن أتيحها للباحثين في شكل معجم، خصوصاً أن النشر التراثي في المملكة لم يأخذ حقه من التعريف به في البلاد العربية.
وكان أن تفرغت لذلك منذ دخلت مرحلة التقاعد، فقمت بوضع المعلومات حسب الأصول الببليوجرافية الحديثة، والإضافة إليها، وتنميطها على نسق واحد، وترتيبها في خطة محكمة، إلى جانب التعليق عليها، وبذلك تَكوَّن «معجم مطبوعات التراث» الذي صدر هذه الأيام.. وهو يُعد دراسة ببليوجرافية تصف الكتاب من جميع جوانبه، وتجعل القارئ ملماً بوصف الكتاب التراثي المحقق من الداخل، وليس مجرد عمل ببليوجرافي جاف، يعتمد على ما ورد في صفحة العنوان.. وهو لا يقتصر على الكتب بل يضم ما نشر في المجلات العلمية من نصوص التراث، وهذا بالطبع ينطبق على الكتب التي فحصتها بنفسي قراءة أو تصفحاً.. وهي الأكثر، وهناك كتب لم أطّلع عليها أخذتها من مصادر مختلفة ولم يتيسر فحصها بالطريقة التي ذكرتها.
العرب
وعن مجلة العرب التي يرأس تحريرها أجاب الدكتور الضبيب: مجلة العرب هي إحدى المجلات الثقافية العريقة في بلادنا وقد أسسها شيخنا حمد الجاسر - رحمه الله - سنة 1386هـ/1966م، وفي رجب القادم سوف تكمل سنتها الخمسين.. وهي تهتم بنشر البحوث التراثية الرصينة المتعلقة بتاريخ العرب وجغرافيتهم ولغتهم وأدبهم
وعلومهم وغير ذلك.. وهي مجلة لها صدى مسموع بين المختصين في التراث على امتداد الوطن العربي، كما أنها تستقطب الكتّاب من جميع أنحاء هذا الوطن الكبير.
ويتابع: بشأن توزيع المجلة واشتراكاتها فيقول: في الحقيقة أن المجلة تجد قبولاً لدى فئة معينة من الجمهور، وتوزع في بعض البلاد العربية، أما المؤسسات الرسمية لدينا كالوزارات والجامعات مثلاً فكثير منها يشترك بأعداد ضئيلة، وهناك مؤسسات ثقافية ونوادٍ ثقافية لا تشترك في المجلة، مع أنها من صميم اختصاصاتها، وكذلك وزارة التعليم فهي تشترك بأعداد رمزية لا تتسق ومكانة الوزارة من حيث عدد المكتبات المدرسية التابعة لها أو المكتبات الجامعية في أنحاء المملكة.. علماً بأن للمجلة دوراً في ربط الشاب السعودي بتاريخه الوطني والعربي وتأكيد انتمائه إلى الأرض والوطن، مما تشتد إليه الحاجة في هذا العصر.
المجلس
وعن سؤاله حول سبتية الشيخ حمد الجاسر التي تواصل أعمالها بوفاء نادر رغم مرور سنوات طويلة على وفاة الشيخ الجاسر في مشهد يشي بتقدير هذا العالم الجليل يقول: شيخنا الرائد الجليل حمد الجاسر هو علاّمة الجزيرة، وما كتبه - رحمه الله - كتبه بدافع البحث عن الحقيقة، وبدافع كشف تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية، ولا شك أن تذكُّره والوفاء له يصب في خدمة الوطن، فالوفاء لذكرى شيخنا الجليل هو وفاء لتاريخ بلادنا، وروادها الذين عملوا بجد من أجل الحفاظ على تراثنا وثقافتنا، ومن حقهم علينا أن نبادلهم هذا العمل الذي قاموا به بالشكر والعرفان.. وأود أن أشير إلى أن أول من يُذكر في باب الوفاء لذكرى علمائنا وأدبائنا هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الرئيس الفخري لمؤسسة حمد الجاسر الخيرية، فهو قدوتنا في ذلك، فقد شجع على تأسيس هذه المؤسسة ودعمها منذ بداية عملها, وما زال يمدها بتوجيهاته السديدة لتحقيق أهدافها الثقافية الخيرية المرجوة، استمراراً لجهوده، نصره الله، في دعم الثقافة ورفع راية العلم والعلماء.