جوستاف لوبون
في كتاب يرتفع وينزل إيجاباً وسلباً، تجده حيناً يرتقي فوق هامات السحب جمالاً، ويدنو خاضعاً تحت الجبال استفزازاً، يتحدث فيه عن فكرة الآلهة باعتبارها من خيالات الإنسان، وعن تطورها عبر التاريخ، وكذلك الأخلاق والجانب النفعي فيها.
إن فكرة الآلهة عند لوبون نابعة من خيال الإنسان المحدود بقدرات وبمواصفات بشرية، وهذه الصورة الخيالية للآلهة ذات الطبيعة البشرية المحدودة بقوتها وصفاتها ينتج عنها صراع نفوذ مع آلهة أخرى، أو شراكات أيضاً، ومن هنا ظهرت فكرة الشرك حسب لوبون. ويعزو المعتقدات الدينية إلى أربعة عناصر تشكلها وهي: الروح الدينية، الخوف والرجاء والخيال، الاحتياج إلى تفسير، حب البعث في عالم آخر. فالروح الدينية تتخلص في خوف وأمل وعبادة لأمر يراه لوبون خفي. أما الخوف فينقل عن لوكريس «الإنسان يخاف من القوى الهائلة التي يحس إحاطتها به»، وقد ضرب مثلاً بالمكسيكيين الذين عبدوا فرسان الإسبان نتيجة الخوف من خيولهم وأسلحتهم. أما الحاجة إلى تفسير الظواهر الطبيعية فقاد الإنسان القديم إلى أحد أمرين، إما وجود قوة عظمى تصنع هذه ا لظواهر، أو أن هذه الظواهر هي ذاتها القوى العظمى التي تستحق العبادة. وأخيراً فإن فكرة النهاية أوجدت فكرة الخلود، فخلق الإنسان لنفسه فكرة البعث بعد الموت، والثواب والعقاب، والجنة والنار. تفسيرات تبدو ممتعة فلسفياً، ولكن لا شك المؤمن لا يؤمن بها.
يتحدث حديثاً شيقاً عن تغير وتطور الأديان نتيجة دخول أمم أخرى فيه، فكل أمة تضيف شيئاً من فلسفتها على هذا الدين، وأعتقد أن شيئاً من ذلك حصل، عند دخول الفرس والأتراك الإسلام، وبالذات الفرس وعلماؤهم الذين أضافوا شيئاً من التصوف الفلسفي، بصرف النظر عن قيمة هذه الإضافة. وكذلك تغير النصرانية الذي مر بفترات تطور وصعود ونزول فكري وعقدي بين إضافات بولس، وتدخلات لوثر. فإضافات بولس غيّرت كثيراً في الديانة النصرانية ويزيد لوبون بأن عيسى عليه السلام كان من الممكن أن ينُسى تاريخياً، لولا خيالات «المتهوّس القديس بولس»، ومع الاختلاف في الأمر بما يخص عيسى عليه السلام، إلا أن المؤكد أن بولس أضل قومه فاتبعوه.
أما تدخلات لوثر فكان لها أثر إيجابي في تطور النصرانية نحو حرية الفكر في الكنائس البروتستانتية، فانكشف الكتاب المقدس بعد أن أزيلت عنه هالة التقديس فأدى إلى تطور أوروبا وانحسار النصرانية، فالديانة النصرانية تشكلت مع بولس عقائدياً، وتحررت مع لوثر فكرياً، فتطور الفكر وانحسرت الديانة.
أما على الجانب الأخلاقي، فيؤكد أن أسوأ سوء في الأخلاق هو «الاعتقاد بقيام الأخلاق على المنفعة»، ولكن ما هو المقصود بالمنفعة هنا؟ فهل عندما أسلك سلوك الأخلاق من أجل ثواب وعقاب أو جنة ونار أكون نفعياً؟ البعض يريد منا أن نقوم بفعل الأخلاق للأخلاق وحدها! وهذا قريب من الفكر الصوفي الذي يعبد الله حباً في الله لا طمعاً في جنة ولا خوف من نار.
أخيراً... استفزار لوبون... شيق...
تشتته... مذهل...
جنونه...ممتع..
** **
- خالد الذييب