أ.د.عبدالله بن أحمد الفيفي
(قراءة في بنية العقلية الاتباعية!)
قال ذو القُروح، وهو ما يزال يشدُّ شعر رأسه، كما يفعل عادةً عندما يحاورني:
- السؤال الذي يستدعي الإجابة الواقعيَّة والعِلميَّة، لا الحكايات الأُسطويَّة: أحقًّا تلك الحكاية النوعيَّة، التاريخيَّة الاجتماعيَّة، التي تُبسَّط على ألسنة بعض النِّسويَّات والنِّسويِّين، وكأنها حكاية «أُمِّنا الغُولة» للأطفال قبل النوم؟
- أيُّ حكاية، صدَّعتَ دماغي، يا رجل!
- تلك الحكاية التي يزعمونها- مغمضي العيون ككلِّ المؤدلَجين- وراء التحوُّل من قداسة الأُنثى إلى قداسة الذَّكَر، ومن التاريخ الأُنثوي إلى التاريخ الذُّكوري، بالتحوُّل البَشَري إلى المجتمع الزِّراعي، وأنَّ ذلك هو الأصل التاريخي للهيمنة الذُّكوريَّة! غير متسائلين: أفكان هناك تحوُّلٌ مثيلٌ إلى المجتمع الزِّراعي في عالم الحيوان أيضًا، أفضى إلى الهيمنة الذُّكوريَّة؟! لأنَّ الظاهرة هي هي في مجتمع الإنسان ومجتمع الحيوان، بما في ذلك السُّلطة الذُّكوريَّة، وتوزيع المهامِّ بين شؤون الأُسرة الداخليَّة ورعاية الصغار، وشؤونها الخارجيَّة من كسب الرزق والدفاع عن البيت. ولا علاقة للموضوع، إذن، بثورة زراعيَّة، ولا صناعيَّة، ولا يفرحون! ثمَّ أتُرى ذلك هو السبب في التباين بين الجِنسَين؟ أم أنَّ الأُنثى- أيَّ أُنثى من مخلوقات الله- مختلفةٌ تكوينًا ووظيفةً عن الذَّكَر أصلًا؟ وهي لأجل هذا تَـمُرُّ بيولوجيًّا وسيكيولوجيًّا بدورات...
- دورات؟
- نعم دورات من عدم الاستقرار، في شهرها، وسنتها، وحَملها، ووحامها، ونفاسها، وولادتها، وعُمرها، وسِنِّ يأسها، تختلُّ بها هرمونات جسدها، واتِّزانات أعصابها وذهنها ونفسها؟
- مبالغات لمآرب ذُكوريَّة أخرى!
- هذا ما يُثْبِته العِلم الحديث. ونجد فيه ما يفسِّر معنى الحديث النَّبويِّ بـ»نقص العقل في المرأة»، الذي ظلَّ إشكالًا لا يُراد قبوله، أو قد يُحتال في تفسيره، مع أنَّه حقيقةٌ، يُثْبِتها العِلم.
- يا عيني على العِلم!
- لماذا تُنكِر الحقائق الفِطريَّة والطبيعيَّة؟ أو تُفسِّرها في المقابل تفسيرات تستهدف غمط الأُنثى حقوقها؟
- أ هناك غمطٌ أشدُّ من غمطك، يا ذا القروح؟!
- لا شكَّ أنَّ المرأة تَـمُرُّ بحالات شتَّى، هي جزءٌ من تكوينها الأُنثوي، لا يمرُّ بها الرَّجل، بل لا يعرفها، ومن ثَمَّ فحاجاتها الجسديَّة والجِنسيَّة والنَّفسيَّة وحاجة الرَّجل مختلفتان حتمًا، طاقةً وتكوينًا وعُمرًا، وتترتَّب على ذلك بالضرورة الفروق بينهما.
- سلَّمنا جَدَلًا، ما النتيجة التي تريد الوصول إليها عبر كلِّ هذا المخاض؟
- تترتَّب على هذا ضوابطُ حياة المرأة وعملها، والوظائف التي تناسبها، لا عن ظُلم، بالضرورة، أو تحيُّزٍ مبيَّتٍ ضِدَّ المرأة، ولكن لأنَّ تلك هي الطبيعة التي خلقها الله، وتلك سنَّته في كونه.
- يا سلام!
- إنَّ للأُنثى حالات وحالات، لوظيفتها الحيويَّة في الحياة، فهي اليوم حائض، وغدًا تتوحَّم، وبعده نفساء، وبعده مرضع.. وهكذا.
- أفمِن العقل والعدل أن يُساوَى الجسد وتساوَى النفس، وهذه أطوار حياتهما، بحياة الرجل وأطوارها؟! إنَّ في هذا ظُلمًا للمرأة، وتكليفًا لها فوق طاقتها، من حيث يتردَّد الزعم بإنصافها.
- وأنت من ستنصفها، يا ذا القُروح والحنان؟
- لا يعني هذا التفضيل المطلَق لأيٍّ من الذَّكَر أو الأُنثى على الآخَر، لا عند الله ولا في الحياة، لكنه يعني أنَّ كلًّا مُيَسَّرٌ لما خُلِق له؛ ولو تساويا لفسدت الأرض وانتهت الحياة. تلك الحياة القائمة على التكامل لا على التماثل.
- أعرفُ ما تُجَمْجِم للوصول إليه. وهو أنَّه، بناءً على مقدمتك، يصحُّ القول: إنَّ الأُنثى ناقصةٌ قياسًا إلى كمال الذَّكَر...
- كلَّا! بل إنَّ الذَّكَر ناقصٌ قياسًا إلى كمال الأُنثى، كما أنَّ الأُنثى ناقصةٌ قياسًا إلى كمال الذَّكَر!
- مَن كمال الذَّكَر؟! تظلُّ المعادلة صعبة!
- أين المشكل؟ إنَّه الاختلاف الحيويُّ الضروريُّ في كلِّ مخلوقات الله. ولقد ثبت عِلميًّا أنَّ خلايا دماغ المرأة تنقص بنسبة 4% عن خلايا دماغ الرجل، كما ينقص نسيج دماغ المرأة نحو 100 غرام عن نسيج دماغ الرجل.
- الله أكبر! هكذا أظهر على حقيقتك!
- هل العِلم أيضًا ذُكوريٌّ حين يقول مثل هذا؟! على أنَّه بالرغم ممَّا يُثْبِته العِلم من زيادة خلايا الرجل الدماغيَّة، يبدو بأنَّ النِّساء عندهنَّ ارتباطات شجيريَّة أشدُّ بين خلايا الدماغ.
- أكيد عندهنَّ ارتباطات أشدُّ بين خلايا الدماغ؛ ولذلك هنَّ صابراتٌ عليك وعلى أمثالك!
-وهذا ما يعطي المرأة تفوُّقًا على الرجل في سرعة معالجة المعلومات. أمَّا فيما يتعلَّق باللُّغة، فيبدو أنَّ معظم النِّسا ء يتفوَّقن على الرجال من حيث إمكانيَّة استخدامهنَّ كِلا فَصَّي الدماغ الأيمن والأيسر في المعالجة اللُّغويَّة، على حين يعتمد الرجل في الغالب على فَصٍّ واحد، عادةً هو الأيسر.
- «فَصّ مِلْح وذاب!» المهم يبدو أنَّ الفصَّ الآخَر في دماغك ابتدأ يعمل الآن!
- قلت لك: ليس لديَّ ولا لديك إلَّا فَصٌّ واحدٌ للمعالجة اللُّغويَّة غالبًا. على حين أنَّ المرأة تتفوَّق عليَّ وعليك في إمكانيَّة استخدامها كِلا فَصَّي الدماغ الأيمن والأيسر. وهذا يمثِّل تقدُّمًا للمرأة على الرجل في هذه الخاصيَّة.
- هكذا سيزعل عليك أسلافك وأحفادك من الذُّكوريِّين!
- إنَّ بإمكان المرأة، لو حدث لها عطب في فَصِّ دماغها الأيسر، أن تستمرَّ قُدرتها اللُّغويَّة اعتمادًا على الفَصِّ الأيمن.
- وأنا أقول: لماذا كلام حَرمنا لا ساحل له؟! كلُّه من الفصَّين!
- فيما لو أصيب الرجل في فَصِّ دماغه الأيسر، لكانت قدرته على تعويض ذلك لُغويًّا أقل كفاءة.(1)
- لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله! لِـمَ، إذن، معظم الشعراء والأدباء والثرثارين، أمثالك، وعبر التاريخ، هم من الرجال؟
- تلك حكاية أخرى، ربما ترتبط بالتعليم، والحُريَّة الاجتماعيَّة.
- ما الفائدة، إذن، من الفَصَّين؟
- ربما كان هذا التميُّز للمرأة مهمًّا وحيويًّا على نحوٍ خاصٍّ لموقع المكوِّن اللُّغوي في شخصيَّتها الأُسريَّة، من حيث هي أُمٌّ ومُربِّية.
- وزَنَّانة...! لكن ما تقوله هذا كان قديمًا!
- تظلُّ المرأة مُربِّية، لأولادها أو لغيرهم.
- حتى لزوجها؟!
- حتى لزوجها! وإنْ كان هذا التميُّز قد يوظَّف، ولاسيما في مجتمعاتنا الشرقيَّة، في مزيدٍ من الثرثرة! على أنَّ الثرثرة في ذاتها قد لا تخلو من فائدةٍ أُسَريَّةٍ أو اجتماعيَّة. ولولا تلك الميزة لما استطاعت (شهرزاد)، على سبيل الشاهد، ترويض الوحش داخل (شهريار)، من خلال السِّحر اللُّغوي والحكائي!
وانتهيت مع (ذي القروح)، وهو يودِّعني لدَى الباب، إلى وعدٍ بأن أكتم عليه ما باح به من أسرار؛ كيلا تتَّصل أنباؤها بنسائه، لا سمح الله! ولقد وفيتُ بوعدي له، وإنَّما أبثُّ هنا أسرار ذلك المجلس لعِلمي أنهنَّ لا يقرأن ولا يكتُبن! فاكتموا عني وعنه ما استطعتم، أثابكم الله!
**__**__**__**
(1) يُنظَر في هذا ما يقرِّره (سايمون بارون-كوهين Simon Baron-Cohen)، مدير مركز بحوث التَّوَحُّد، بجامعة كامبردج، حول «الفرق الأساس بين دماغَي الرجل والمرأة»، في كتابه تحت عنوان: The Essential Difference: Men, Women and the Extreme Male Brain، على صفحة «الإنترنت» ذات الرابط: http://www.doctorhugo.org/brain4.html
** **
- (رئيس الشؤون الثقافيَّة والإعلاميَّة بمجلس الشورى سابقًا- الأستاذ بجامعة المَلِك سعود)