سليم السوطاني
شهدت الساحة الثقافية والأدبية أخيراً حالاً من الانفلات النقدي، فقرأنا من خلال هذا الحدث التقليل من شأن قامات أدبية أو نقدية في المملكة العربية السعودية، وكان لهذه القامات اسمها وثقلها في الساحة الأدبية، فهي عاصرت أجيالاً، وخاضت حروباً، في بداياتها، مع تيارات حاولت إزاحتها عن المشهد الثقافي، لكنها استمرت على رغم كل ما حيك ضدها، وأسهمت في إثراء الساحة الأدبية.
في هذا العصر أتى بعض النقاد ليردد العبارة التي تسبق التقليل من شأن القامات الأدبية: «لا أحد فوق النقد»، فيمارس إسقاطاته ويشحذ نصاله ويوجه سهامه نحو هذه القامة بكل قبح، في حين أننا لم نقرأ لهذا الناقد المتجرِّئ نقداً علمياً حصيفاً يناقش الأفكار التي طرحها هذا العَلَمُ البارز في الساحة!
ثم يتمادى في تقليله من شأنه إلى حد الانتقاص والإساءة؛ حتى يصفه بأنه طوال مسيرته الأدبية والنقدية لم يقدم إلا ترهات بعيدة عن الإضافة، دون أن يُقنِع هذا الناقدُ القارئَ أو المتلقِّي بصحة ما يزعم، ثم يدّعي، بلا دليل، أن هذه الشخصية كانت تمارس علينا التضليل عقوداً ولا تملك شيئاً يخوِّلها تسيُّد الساحة في العقود التي مضت!
فإذا أغاظ نقدُه الأديبَ بالإسقاطات التي وُجِّهت إليه، فنهضَ للردِّ عليه بلغة حازمة أو تهكمية... ينبري هذا الناقد سريعاً لرفع عبارة «لا أحد فوق النقد»، فيزيد في قبحه وفحشه وإسقاطاته، بل ويحظر جميع من في الجهة الأخرى يساندون الأديب المُفتَرى عليه ولا يوافقون الناقد في مواقع التواصل.
هذه الظاهرة المتطرفة في النقد، البعيدة عن المنهج النقدي الصحيح، نراها بدأت تزداد، حتى أصبحت لغة امتهان التقليل من القامات الأدبية سمة ملازمة لبعضهم كلون بشرته وشعره، وباتت ديدنهم كأنها خبزهم اليومي، وكل ذلك مرده إلى أحد أمورٍ ثلاثة: إما التسلق على أكتاف المتميزين والشهرة على حسابهم، وإما محاولة هدم جهد الآخرين بدافع «أنا» مفرطة في مرضها ووهم تضخمها المتغلغل والمعرّش داخل ذواتهم، وإما شعور بالنقص متعمق في نفوسهم ومسيطر على تفكيرهم، فتدفعهم الغيرة من المميزين إلى محاولة النيل منهم من خلال التقليل من نتاجهم الأدبي.
القامات الأدبية من عمالقة الفكر والثقافة والأدب، التي أثرت الساحة الثقافية عقوداً متوالية، لا تستحق هذا الهجوم السافر من قبل هؤلاء النقاد المرضى، وعلى المتابعين للساحة الثقافية السعودية أن يكفّوا عن متابعة هؤلاء المسعورين، وعدم مجاملتهم، وبيان أن الرؤى النقدية تكون مبنية على أسس نقدية وعلمية يقبلها العقل والمنطق.