الثقافية - مسعدة اليامي:
يتحدث لنا في هذا اللقاء من واقع تجربة خاصة ودراسة للصحافة، وشعور المسؤولية الوطنية حيال الرقي، والتقدم بالحركة الثقافية، ولن يكون ذلك إلا بمواكبة كل ما هو جديد، ومفيد في عالم الصحافة.. الذي يشق خطواته نحو العالمية، ويظل المحتوى هو القادر على إثبات جودة العمل الصحفي مهما كانت سرعة وسائل التقنية.. التي ساعدت على سرعة الانتشار، وضياع الهوية الصحفية، وذلك بتقديم المواد الهزيلة. فإلى الحوار مع رئيس مجلة أرباع الثقافية الأستاذ: عبد الله عايض جليد القحطاني.
تعدد الدراسات بالصحافة تجلب اهتمام الباحثين
* حدثنا عن رؤيتك المستقبلة عن الإعلام الرقمي أو الكتروني؟
- تعد الدراسات ذات العلاقة بالصحافة الرقمية، وجمهورها، واتجاهات الرأي العام حولها من المواضيع التي تجلب اهتمام الباحثين، وأصحاب الشأن شرقا وغربا، كونها باتت أحد أكثر الأوعية الخبرية استقطابا للجمهور، إلا أن الحديث حول الإعلام الرقمي وإمكانية إقصائها للأوعية الإعلامية التقليدية كالصحف الورقية، تم تضخيمه بشكل مهول وغير منطقي؛ فالمنطق يقول إن الإعلام الرقمي كمحتوى (إخباري) يعد حتى هذه اللحظة مادة للجدل المنطقي على الرغم من دورها في تحسين الأطر البصرية Visual Framings للمادة الإعلامية، إلى أنها تنتج أزمة تقابل ذلك من ناحية التكثيف الخبري، والتساهل في التحقق من مصداقية المحتوى، وإشكاليه تكرار المحتوى الخبري في كثير من الأحايين. لذلك، نستطيع القول إن الإعلام الرقمي سيظل ذا هشاشة في المحتوى، ولن يستطيع إقصاء الإعلام الورقي/ المطبوع بشكل كامل في المستقبل المنظور، رغم قدرته على الانتشار خارج الحدود الجغرافية لمكان صدوره بشكل أوسع من الإعلام التقليدي، إلا أن مصداقية الإعلام التقليدي/ الورقي تظل الحصان الأسود في مضمار المصدر الموثوق والمعلومة الصادقة. باختصار، لم تستطع الأوعية التقنية الحاملة للمحتوى الإعلامي أن تشكل حالة من النضج في التلقي حتى الآن، بل خلقت حيزا من الفوضى، والاستعجال، والتشتت.
الصحافة الرقمية لن تخطف المقعد من الصحافة التقليدية.
* ما الذي يثبت أن الصحافة الرقمية خطفت المشهد من الصحافة التقليدية، وهل بدأت الصحف الورقية تموت بشكل فعلي؟
- كما أسلفت، الصحافة الرقمية ليست قادرة على خطف المقعد من الصحافة التقليدية بتاتاً. والنقطة التي يجب أن يتنبه لها مسؤولو الصحافة المطبوعة لدينا هي ضرورة العودة لتعزيز موقع الصحافة الورقية، وليس الانجرار خلف إشاعة أفول نجمها، فهي لا تزال أهم أوعية الإعلام حتى اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على سبيل المثال. كما أنها من منظور الـ (سيسوبوليتكل)، أحد أهم مصادر الأمن الاجتماعي في حال نشوب النزاعات. الصحافة المطبوعة ولدت لتبقى، في حين أن الصحافة الرقمية تولد لتختفي بفعل التوالد المستمر لها. كما أن تكرار الحديث حول توقف عدد من الصحف محليا أو عالميا، فلا يجب أن نحدده بسبب وحيد يتمثل في هيمنة وسائل الإعلام الجديد، بل يجب البحث في الإشكاليات الإدارية، والتحريرية، والتسويقية، وغيرها من المسائل التي ترتبط بالجسم الإعلامي المهدد بالتوقف بالمناسبة، في الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن هذا الشهر عن إطلاق تحالف (الصحافة للإمام)Press Forward الذي يضم 22 مؤسسة، حيث رصد أكثر من 500 مليون دولار لإنفاقها على مدى السنوات الخمس القادمة للمساعدة في استمرار الصحف المحلية في أمريكا بعد أن أغلقت أكثر من 2200 صحيفة أمريكية أبوابها منذ عام 2005، وهذا يعني أن أهمية وزمن الصحافة المطبوعة لن ينتهي قريبا.
العالم الآخر يثبت عدم انقراض الصحافة الورقية
* في ظل الثورة الإعلامية الرقمية الحالية، ما الذي يحتاج إليه صاحب المؤسسة الإعلامية للنهوض بالمؤسسة لمواكبة التقدم التقني المتسارع؟
- شخصيا، أعتقد بعكس الرؤية التي يروج لها الكثير من خطر انقراض الصحافة المطبوعة مدفوعة بالهجوم الكاسح لمصادر الأخبار الرقمية؛ ودليل ذلك، أن صحيفة نيو يورك بوست New York Post الأمريكية العريقة ما زالت تصدر في 128 صفحة، وكذلك صحيفة ذا تايمز The Times البريطانية تصدر في 80 صفحة، بل إن هناك الكثير من الصحف العالمية التي ما زالت تخرج طبعاتها اليومية في 50 صفحة وأكثر. بالمناسبة ألا أتحدث عن تاريخ بعيد، بل هذه أرقام عدد صفحات الأعداد الصادرة مؤخرا، فأين القائل بموت الصحافة الورقية!! يجب التخلص من هذه الفكرة بالتركيز على تطوير طواقم التحرير كما وكيفا، وكذلك اعتماد إستراتيجية تسويق أكثر حداثة لا أكثر وهذا من وجهة نظري قصبة السبق لنهوض بالمنتج التحريري والإعلامي لمواكبة تنافسية الإعلام والمواقع الرقمية لاس تجلاب أقصى ما يمكن من إبداع؛ كما تحتاج الصحافة المطبوعة لإيجاد آلية تعاون تمكن صحفهم من المضي قُدما من خلال تقييد الوصول المجاني للمعلومة عبر المواقع الإلكترونية، ولي في ذلك حديث يمكن الاستفاضة فيه في وقت لاحق.
الإعلامي حجرة زاوية المؤسسة الإعلامية
* كيف يطور الإعلامي التقليدي من نفسه حتى يلحق بركب التقنية، وكيف يكون الإعلامي المتمكن من استخدام التقنية محل ثقة الجمهور؟
- الإعلامي بلا شك هو حجر زاوية المؤسسة الإعلامية محليا وعالميا، وهناك ضرورة ملحة دائما لعملية التطوير الذاتي self-development على المستويين المعرفي/ الثقافي، والمهني/ التحريري، لمواكبة المتغيرات على الساحة الإعلامية؛ أما من ناحية الثقافة التقنية فهذا من الأمور التي يجب أن تناط بمسؤولي المؤسسات الإعلامية لعدة أسباب لعل من أهمها قدرة المؤسسة الإعلامية على رسم الطريق التحريري Editorial line الشامل للوسيلة الإعلامية مما يجعل من اختيار المناسب من الدورات والبرامج التي من شأنها الارتقاء بعمل المؤسسة الإعلامية أكثر قربا من النجاح، كما يجب أن يعي العاملون في حقل الإعلام بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الإعلام الرقمي عن الإعلام التقليدي بشكل تام كونهما وجهين لعملة واحدة لـ(الإعلام الاجتماعي) الذي يتمثل في نوعية وجودة المحتوى بعيدا عن آلية مصدره الورقية أو الرقمية. والأهم من هذا وذاك، أن يعلم ويعمل الصحفي على تطوير لغة مادته الإعلامية من حيث المفردة، والصياغة كون الدلالة اللغوية تعمل بشكل شديد الفعالية لدى الجمهور Audiences من ناحية السيكولوجيا النفسية، والسوسيولوجيا الاجتماعية.
* في حال افترضنا نجاح الصحافة الرقمية، ما المعايير المطلوبة لتحقيق ذلك؟
- هناك نقطتان محوريتان لا بد من الحديث عنهما حول فرضية نجاح الصحافة الرقمية؛ الأولى: تتلخص في الضرورة الملحة للسؤال عن التوجهات الخفية، والانتماءات الحزبية، والبنية النفسية، والخلفية الثقافية لمن يدير الغرف الإخبارية كون الاحترافية، والموثوقية العلمية، والثقافية، والأخلاقية، والمهنية غيره واضحة المعالم لتلك الغرف التي تطبخ فيها المواد الثقافية بجانب المواد الإخبارية والسياسية التي قد تحتوي بعضا من (السُميّة الثقافية/ الخبرية) من شخصيات اعتبرها (افتراضية) تزيد من حق المتلقي في افتراض (التوجس والحذر) حول ما تقدمه تلك المنصات الإعلامية الرقمية. النقطة الأخرى: تدور حول مشكلة نشر الأخبار الزائفة Fake News التي تؤثر بشكل سلبي على مصداقية تلك المواقع الإخبارية التي تجد في نشر تلك الأخبار المظللة موردا أساس لتعزيز انتشارها بعيدا عن مسألة (مسائلة المحرر)، وهو الأمر الذي تعتبره وسائل الإعلام المطبوعة ضررا جسيما في حال حدوثه وليس مصدرا لزيادة معدل الانتشار على العكس من الصحافة الرقمية.
كبريات الصحف بالعالم الصحافة التقليدية موثوقة
* هل من الممكن مكافحة ذلك؟
يظل الدور الذي تلعبه كبريات الصحف العالمية ضمن ما يعرف اصطلاحا بالصحافة التقليدية، أكثر موثوقية ومصدر أساس للأخبار الأكثر أهمية، وهذا ما لا تستطيع المواقع الإعلامية الرقمية تحقيقه بسبب (هلامية غرف التحرير) لديها، مما يجعل هذه المصادر أمام أزمة أخلاقية ومعلوماتية حولها لسوق افتراضي قد لا تجد على أرففه المنتج الذي رأيته بالأمس.
لذلك، لا بد من وجود تشريعات مشددة تختص بـضرورة حماية (المادة الصحفية). كما يجب تجريم استنساخ الأخبار دون حقوق نشر أو اتفاقية تعاون لإعادة نشر المحتوى، كما يجب محاسبة الصحف الرقمية التي تصدر من غير وجود مختص لكل قسم يمكن من خلاله الوصول للمعلومة ومسألتها بشكل عام.
مجلة أرباع مشروع للعالمية
* بدأت منذ فترة إصدار مجلة أرباع الثقافية من الولايات المتحدة الأمريكية حيث تتواجد حاليا لإكمال لمرحلة الدكتوراة، حدثنا عن هذه التجربة الإعلامية/ الثقافية، وما هي الرؤية والأهداف التي تطمح أن تصل إليها من خلال مشروع مجلة أرباع كمشروع ثقافي سعودي؟
- مبادرتي الثقافية الوطنية - مجلة أرباع الثقافية - عبارة عن مبادرة شخصية، صدر من المجلة أربعة أعداد حتى الآن، وقد حرصت على أن تكون نواة لمشروع ثقافي لدعم الثقافة السعودية، وتعزيز الصورة الثقافية والاجتماعية لبلادنا لدى طيف الجمهور الممتد من المحيط إلى الخليج والجمهور الغربي أيضا لذلك، أعكف حاليا على الترتيب لإصدار المجلة باللغتين العربية والانجليزية ولربما الفرنسية والألمانية لاحقا في محاولة منا للوصول لأكبر شريحة من الجمهور العالمي، مع استمرار تعزيز حضور اللغة العربية في ذات الوقت.
الحاجة إلى الدعم من وزارة الثقافة والإعلام
* ما أبرز العوائق التي تواجه مشروع مجلة أرباع الثقافية؟
- بكل وضوح، هذا المبادرة وغيرها من المبادرات الثقافية السعودية الشخصية بحاجة ماسة لوجود داعم سوى حكومي، أو خاص لضمان استمرار المشروع من خلال استهداف متحدث ي اللغات الأخرى بما يخدم الحضور الثقافي السعودي بالشكل المستحق، وهو الاستحقاق الذي تُرك للغير منذ زمن طويل، مما أثر على تراجع الحضور السعودي ثقافيا، علما بأن ما تقوم به وزارة الثقافة من جهود مبهرة لا يمكن أن يغفل، بيد أن هناك حاجة ماسة لوجود مشاريع تستهدف العامة وليس النخبة. لذلك، فجهدنا الفردي بحاجة ماسة لدعم الجهات ذات العلاقة كوزارتي الثقافة والإعلام، أو بعض الجهات الخاصة. أما بخصوص المحتوى، فنتمنى تضافر جهود الجهات الثقافية السعودية، كالجهات الأكاديمية، والأندية الأدبية، الحرص على تشاركيه المحتوى الخاص بها كمحتوى وطني يعزز تعزيز وتكثيف حضور الصورة السعودية تاريخيا، وثقافيا؛ وكما تقول حكمة آبائنا المشهورة «قوم تعاونوا ما ذلوا». أكرر، مجلة أرباع الثقافية نواة مشروع ثقافي وطني، أتمنى أن يجد الاهتمام والتمويل لتتمكن من البقاء على قيد الحياة الثقافية.
المحافظة على حقوق صاحب المادة العلمية
* كيف تحافظ على حقوقك وحقوق المشاركين معك الفكرية والمادية في فوضى السرقات واستسهال الاعتماد على الغير بدون وجه حق؟
- شخصيا، اعتقد بأن (التشارك المعرفي) بشقيه العلمي والثقافي من المشاع الثقافي الذي لا بأس في تداوله وإعادة إنتاجه، شرط المحافظة على حقوق صاحب المادة، إما بطلب الإذن منه، أو من الوعاء الثقافي/ الإعلامي الذي نشر المادة الثقافية والتي تهدف في نهاية المطاف لتعزيز ثقافة ووعي المتلقي بما تشهده الساحة السعودية من بناء حضاري، وقيمي، وثقافي غاب عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عقود بقيادة سمو سيدي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان حفظه الله. بمعنى آخر، يجب التخلص من إشكالية وقيد «تم نشره مسبقا» من أجل إعادة إنتاج وتعزيز المعرفة والثقافة السعودية. هكذا تعاضد، سيزيد بلا شك من فرص التعاون الثقافي بين الجهات الثقافية السعودية والاستفادة من المحتوى «الوطني» المتاح. ولدينا في مجلة أرباع الثقافية تعاون (إعادة نشر محتوى) مع بعض الجهات الثقافية السعودية ونتمنى أن يتوسع ذلك التعاون مع جهات ثقافية وعلمية وأدبية أكثر في المستقبل القريب.
المجلات الثقافية باب يدخل الآخر
* ألا يعد تقديم مجلة الكترونية في ظل وفرة الصحف الالكترونية مغامرة، وما سبب ضعف المحتوى الثقافي في أغلب الصحف الالكترونية من وجهة نظرك؟
- على العكس من ذلك، فقد بات إصدار المجلات الثقافية – من وجهة نظري - أكثر أهمية نتيجة لتسارع عجلة الحراك الثقافي الضخم الذي تقوده رؤية السعودية 2030 على كافة الأصعدة. لكن، يجب أن يعي المهتمون بالنشر الثقافي أن كل منتج وطني اجتماعي، أو سياسي، أو ثقافي، أو صناعي، أو تراثي، أو هندسي/ عمراني، هو في أصله منتج ثقافي وطني يجب النظر له من أبعاده المختلفة من الضروري تحويله من سلعة جامدة إلى منتج ثقافي ينبض بالحياة، ويرفد الدور الريادي للمملكة العربية السعودية؛ فمشاريع البنية التحتية كذلك، تعد من أهم المشاريع الإنسانية الثقافية التي لم تجد من يتحدث عنها حتى الآن. زُبدة القول، المجلات الثقافية باب يدخل من خلاله الآخر علينا، بعكس الصحف الإلكترونية التي تقدم الخبر مجردا بصيغة لا تسمن ولا تغني من جوع ثقافي.
البحث عن أصوات إبداعية جديدة
* شهدت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة عدداً من الملتقيات الرقمية، قراءتك لذلك؟
- أفضل ما يمكن أن يقال عن هذه الملتقيات الرقمية بأنها تفتقد للواقعية، ربما لأنها غير قادرة على جذب الجمهور الثقافي الواعي وليس النخبوي خارج إطار العلاقات الشخصية بين القائمون على تلك اللقاءات وبعض الشخصيات الثقافية المكررة، كما أن عدم القدرة على البحث وجلب اهتمام المبدعين الجدد من خارج المائدة الثقافية الحالية، التي باتت بحاجة ماسة للبحث عن أصوات إبداعية وطنية جديدة، وليس قامات ثقافية أخذت ما تستحق معضلة يجب أن يتنبه لها. مع كل ما سبق، أنا من مؤيدي فتح كل نافذة ثقافية ممكنة حتى وإن كانت قليلة الأثر، فالأثر الثقافي منتج تراكمي وليس آني.
يعتقد بأن الأدب ترف وليس جهداً
* إذا كانت الكتابة لا تأكل عيشا، فهل الإعلام الجاد والواعي يأكل عيشا، في حال أن ما عدا ذلك قد يأكل ذهبا؟!
- هذه المقولة صحيحة إلا حد بعيد جدا؛ ولعل السبب هو عدم النظر إلى الجهد الذي يبذله المثقفون لإنتاج مادة ثقافية بالشكل المستحق. الكثير يعتقد بأن الثقافة والأدب ترف وليست جهدا وهذه نظرة يجب أن تُنقض تماما، ويظل الأمل معقودا في جبين وزارة الثقافة لتحويل العمل الثقافي الوطني لمصدر دخل يجعل من المهتمين بالإنتاج الثقافي أكثر إنتاجية وشغفا.
الموهبة هي الأساس رغم أهمية التخصص
* هل يحتاج الإعلام إلى المختص أم الموهوب، وكيف يمكن أن تُغذى الموهبة حتى تصل إلى معيار من التوازن والنضوج؟
- الإعلام بحاجة للإعلامي المتخصص والموهوب على حد سواء، فالمختص يمكن أن يوفر الأرضية المفاهيمية والعلمية، في حين أن الموهوب يستثمر كل ذلك لينتج منه منتجا ثقافيا متميزا، بيد أن مسألة تغذية الموهبة تأتي أولا عن طريق القراءة والاطلاع، إضافة إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين مع ضرورة وجود البصمة الذاتية لما يكتب أو يقدم أو يذيع. وتبقى الموهبة - من وجهة نظري - هي الأساس وليس التخصص بالرغم من أهميته.
الصحافة اليوم مهنة الموائد والأضواء
* في الماضي كان يقال عن الصحافة مهنة المتاعب، ماذا تتوقع أن يقال عنها في الوقت الحاضر؟
- في الماضي، بالفعل كانت الصحافة مهنة المتاعب لأنها كذلك، فالمادة الجيدة كانت تحتاج الكثير والكثير من الجهد والتعب والإشكالات أحيانا، لكنها تؤتي ثمارها على مستوى الرضا الشخصي والمؤسسي والمجتمعي في نهاية المطاف. واليوم، يبدو أنها تحولت من مهنة (المتاعب) إلى مهنة (الموائد) و(الأضواء) ولم تعد لا خبرة ولا موهبة هي معيار النجاح، مع وجود عدد من الاستثناءات المميزة بالطبع، ومن أهمها (الملحق الثقافي) بصحيفة الجزيرة، الذي ما فتئ يقدم الأجمل في شتى أبواب الثقافة والأدب بعد أن قذفت الصحف الأخرى الثقافة بأقرب حجر.
الصحف الإلكترونية تعمل على إعادة تدوير المواد
* كيف ترى محتوى الصحف الالكترونية اليوم، وما رأيك فيما يقدم من ورش ودورات المحتوى المنتشرة حاليا؟
- أغلب المحتوى الرقمي في الصحف الإلكترونية، مع الأسف، مجرد قنوات رقمية لـ»إعادة تدوير» الأخبار والتغريدات وفق مبدأ «مع الخيل يا شقراء»، حتى أنك لم تعد تشعر بأي رغبة في تصفح تلك المواقع لهذا السبب. إضافة إلى الغياب التام للمحتوى الثقافي نظرا لعدم قدرة القائمين على تلك الصحف في تقديم محتوى صحافي سعودي يليق برؤية 2030 والسير الحثيث للوطن. عليه، أرى بأنه بات من الضروري إعادة غربلة الصحف الرقمية لتحقيق التميز. ولعلي اختتم هذا اللقاء الماتع بالقول مرة أخرى: إن الصحافة التقليدية ولدت لتبقى، على العكس من الصحافة الرقمية التي تتوالد لتموت أو تستبدل.