تدور فكرة الكتاب حول الأخلاق ونسبتها من مجتمع إلى أخر، بهدف البحث عن الضائع من الأخلاق العربية. فالأخلاق تختف مقاييسها بين البدو والحضر، فما يراه الحضري أخلاقاً طبيعية، يعتبرها البدوي ضعفاً وخنوعاً أخلاقياً، ويدرس الكتاب من خلال ما سبق الشخصية البدوية ومقارنتها بالشخصية الحضرية، مركزاً على الحالة العراقية.
يقول أن الفرق بين الشخصية البدوية والشخصية الحضرية هي أن الأولى تقوم على مبدأ «الاستحواذ»، والثانية تقوم على مبدأ «الإنتاج» فالحضري يصعب عليه أن يعيش من غير مهنة، أو من انتاج يعيش منه، أما البدوي فيعيش في صحراء لا تعرف من شؤون الإنتاج إلا قليلا، فهو لا يستطيع أن يقتسم مواطن العشب والماء مع غيره أو يسجل حقوقه عليها فالأمر قائم على «الاستحواذ» أو بمعنى أخر القوة، فالشخصية البدوية لا مكان فيها «للضعيف» الذي يدعو للعدالة والمساواة، يقول ابن كلثوم في معلقته الشهيرة، ونشرب إن وردنا الماء صفواً ... ويشرب غيرنا كدراُ وطينا ...
فمبدأ القوة عند البدوي يشكل قيمة ملهمة في عقله، وعقليته قائمة على أساس الغلبة والاستحواذ والشجاعة بكل مساوئها ومحاسنها.
يذكر قصة لفاضل المجالي رئيس وزراء العراق في الفترة من 1952مـ 1953م وزيارته لأحد القبائل، تبرز بعض التناقضات لدى الشخصية البدوية، حين راءهم يؤمنون بالله ويصلون له، بينما لا يتهاونون عن النهب والغزو فسألهم عن ذلك، فأجابوه بإنهم لم يكلفوا أنفسهم مشقة التفكير في هذا السؤال من قبل. فالبدوي كما يشير المؤلف يطلب المال ولكن ليس من أجل المال، ولكن لإن المال عنده من علامات الرجولة والغلبة فهو يكسبه لك يسخو به على غيره. فشخصية البدوي حسب الوردي شخصية تحمل من التناقضات الكثيرة والسبب في ذلك غياب «الرغبة بالتفكير» فكل قرار عند البدوي ليس إلا وليد اللحظة، ففي وقت المعركة يتخذ قرار القتال مهما كانت النتائج، وفي وقت الأزمات يتخذ قرار «الفزعة» هكذا بدون أي تفكير، فهو أيضاً كما يقول المؤلف «صادق صريح لا يحب الرياء والمراوغة والختل».
يربط المؤلف في بعض أجزاء الكتاب بين فساد أخلاق البدو ونظام الحكم السائد في العراق في العهد الأخير. فالحكومة العثمانية لم تكن حكومة بالمعنى الصحيح تُعنى بالمحافظة على الأمن والنظام في البلاد، كما هو شأن الحكومات الراقية، ولكن كان همها جباية الضرائب والمغارم ليفعل الناس بعد ذلك ما يشاؤون. وكانت سياسة الحكومة تجاه العشائر أن تتركهم يتقاتلون وتشجعهم على ذلك في سبيل إضعافهم على طريقة فرّق تسد.
يعيب الكتاب أنه قسى على الشخصية البدوية، فالأخلاقيات التي فسدت إنما فسدت عند الإثنين، البادية والحضر، إضافة إلى ذلك فإن الكتاب المفترض فيه أنه يهدف إلى البحث عن الضائع من الموارد الخلقية، ولكنه تحول إلى مقارنة بين الشخصية والبدوية والشخصية الحضرية، وقف فيها الوردي بعقله الباطن مع الشخصية الحضرية.
أخيراً ...
الكتاب صغير لا يخلو من إشارات جميلة عن عقلية البدو وما تأثرت به ...
ما بعد أخيراً ...
ناقل الكفر ليس بكافر.
** **
- خالد الذييب