لم أظنه عالَمًا بهذا السحر..
فقد كنت أراه جميلًا ولكنه غير ساحر..
عالمَ الخضرة أعني..
قبل قرابة عشر سنوات، لم يكن في منزلي نبتة واحدة، «في أي ضلالة وجهل مبين كنت!»، حتى قررت اقتناء واحدة، فأدركت مدى الجمال الذي غفلت عنه وفاتني.
والحمد لله الذي أبدلني بتلك الحال خيرًا منها فانتقلت من التصحر والجفاف إلى الحياة والجمال والخضرة، وما برحت منذ ذلك اليوم إلى هذا اليوم أقتني النبتة تلو الأخرى، حتى أصبح مكاني أينما ذهبت لا يخلو أبدًا من واحدة منها، بل وتعدى الأمر ذلك إلى أن أصبح معديًا- ولله الحمد- لكل من حولي في بيوت أحبابي ومكاتب زميلاتي في العمل، ويا لها من عدوى فاتنة!
أصبح مكاني محاطًا بالنباتات في كل زاوية من الداخل والخارج، وأينما تقع عيناي أرَى نبتة، ولا شك أن لذلك على نفوسنا- نحن سكانَ المنزل- أكبر التأثير، فقد تكررت من الزائرين ملاحظة أن النوم هنا أكثر عمقًا وراحة، وهو ما لم ألاحظه مع تعودي على المكان. شملت النباتات لدينا كل الأنواع، المثمرة وغير المثمرة، المزهرة وغير المزهرة، دائم الخضرة والموسمي منها.. وما أنفك عن القول إنها حياة مليئة بالحياة..
ذكرت باربرا دي إنجليس في كتابها «نقلات الروح» الموسعات الكونية وهي: «طاقات تعزيز الحياة» في هذا الكوكب، وذكرت منها الأشجار والأزهار والفواكه الطازجة والطيور. وقالت: «إن اختبار أحد هذه الموسعات الكونية ثوان معدودة فقط، والتناغم مع اتساعها، سوف يعيد بالتأكيد معايرة اهتزازك الخاص، ويخلق توازيًا أكبر مع الأسمى منك».
ظلمنا أنفسنا وبيئتنا كثيرًا حين قررنا- بوعي منا أو بدونه- أن نعيش في صحراء قاحلة ومبان مصمتة لا حياة ولا شمس ولا خضرة فيها، ولا صلة لها بالبيئة الأم. يغلب عليها الجمود وتفتقر إلى طاقة النمو، وهي أقرب إلى الموت منها إلى الحياة..
فقد ثبتت قدرة النباتات على تنظيف الملوثات من حولنا؛ ومن ثم فعقب كارثة المفاعل النووي في تشيرنوبيل شمال أوكرانيا، عام 1986م، كان أول ما طُبِّق هو التنظيف البيئي، حيث حازت البيئة اهتماما كبيرا من النشطاء في هذا المجال، وخُصِّصت برامج علمية تدعم البيئة المستدامة والحفاظ على التوازن البيئي.
إن أبسط ما نستطيع فعله لأرضنا وبيئتنا هو أن نغرس شتلة، وأن نربي الأجيال مع الزراعة ومن خلالها، فبها نختصركثيرًا من الجهد بمتعة.
بالزراعة نتعلم نحنُ وَهُم الصبر، وأن «يوم الزرع ليس ذاته يوم الحصاد.. فتريث»، وستحصد يومًا ما ما زرعت.
وبالزراعة نعلمهم السعي المتواصل المستمر، وأن ليس كل الخطوات بالضرورة ناجحة، فلا ضير، ولن نتوقف.
وبالزراعة بالأخص نتعلم أكبر دروس الاستدامة والتدوير ودورة الحياة لبعض المخلوقات الحية، وفي العلاقات التكافلية لكل مكونات البيئة ودور كل أجزائها صغيرها وكبيرها في التوازن البيئي.
علمتني الزراعة أن في النباتات من الجمال ما يستحق بعض الجهد، وأن الحياة هذه بوتيرتها تحتاج حتمًا إلى نبتة، وأن بإمكاننا أن نخلق من بيئتنا جنة خضراء غناء، وما ينقصها هو حسن اختيار الأنواع المناسبة فحسب.
«إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فليغرسها».
** **
- إيمان يوسف الحسن