مستشار الملوك، صاحب السمو الملكي الامير نواف بن عبدالعزيز آل سعود(1351-1436/1932-2015م)، سيرة تاريخية وثائقية، جمع مادتها وكتبها مشكوراً الدكتور فايز الحربي من ضمن مؤلفاته التي تجاوزت (70) مؤلفاً متربعاً في قمة المؤلفات السعودية. وتكون بذلك مرجعية مهمة جداً لكل من يكتب عن التاريخ السعودي بشكل عام وعن الامير نواف بن عبدالعزيز بشكل خاص.
يقع الكتاب في (340)صفحة من المقاس المتوسط، ويشتمل على اهداء ومقدمة وتوطئة، أبحر فيها المؤلف باستعراض السيرة الذاتية للأمير نواف وانجازاته، وقد تخلل هذا الحديث الكتابي العديد من الصور التي اضفت على الكتاب طابعاً متميزاً ، تلاها الخاتمه، ثم كشافات الكتاب وقائمة المصادر والمراجع، وجدول المحتويات، وجدول الصور التي استعان بها المؤلف في كتابة هذه السيرة العطرة.
في مقدمة الكتاب ذكر المؤلف ان سير الرجال صفحات مضيئة من صفحات التاريخ تنقل تجاربهم وترصد عطاءاتهم وتعرف الاجيال الحاضرة واللاحقة بأخبارهم وخصالهم، وتخلد للأحفاد اعمالهم وانجازاتهم وهذه هي الغاية التي وضعها ابناء صاحب السمو الملكي الامير نواف بن عبدالعزيز نصب اعينهم عندما فكروا في كتاب توثيقي عن سيرة والدهم. فهي سيرة رجل عاش حياته لوطنه وأمته، فكان الاداري والسياسي والاقتصادي الذي يعمل بصمت ويعطي بلا ضوضاء وهذا هو دأب المخلصين.
اثناء حديث المؤلف عن مولد أمه ميلاد أمير وتحديداً عام 1351ه/1932م هذا اليوم لم يكن يوماً عادياً كسالف الايام وفي خضم هذا التميز السياسي، كانت البشارة للملك المؤسس في العاصمة الصيفية لبلاده وسيقت له البشرى بقدوم احد ابناؤه الذي لم يتردد الملك المؤسس في تسميته نواف. ومن حسن المصادفات ان يوافق مولده اجواء الفرح والابتهاج بالتوحيد وانتصارات متواصلة للملك المؤسس. كما تابع المؤلف حديثه موضحاً حرص واهتمام الملك المؤسس بانجاله وحسن تربيتهم، والاهتمام بتحصيلهم العلمي ومتابعة دراستهم بشكل دقيق.ولم تشغله مهامه الجسام عن ذلك ، كما كان جلالته يسأل انجاله عما درسوه ويراجع كراساتهم وكثيراً ماكان جلالته اذا اجتمع الامراء الطلبة عنده ليلاً او نهاراً يسألهم في العلوم التي درسوها او يطلب من احدهم ان يلقي عليه من محفوظاته شيئاً على هيئة الخطابة ، وقد كان هذا المنهج التربوي الذي اتخذه الملك عبدالعزيز مع ابناؤه محل اهتمام واعجاب المقربين منه . علاوة على ماسبق فقد حرص الملك عبدالعزيز على ان يمتلك ابناؤه العديد من المهارات فكل واحد من أولاده يجيد الرماية وركوب الخيل وكل واحد منهم الف حياة الصحراء والسكنى في الخيام.
وفي هذا الجو الأسري الشديد الحرص على تميز افراده ، امتلك الامير نواف نفساً تواقه للتميز، فشارك مع والده واخوته في سن مبكره العديد من الزيارات الملكية الى خارج المملكة، والتقى بالعديد من الزعماء العرب والاوربيين. وكان اول المهام السياسية التي تولاها عام 1370ه/ 1950م كلف اميراً على ادارة القصور الملكية ورئيساً للحرس الملكي. وهذا المنصب الرفيع جعله قريباً من القيادة العليا وهيأ له الاطلاع على ما يدور في دائرة اتخاذ القرار مما عزز خبراته ومعرفته السياسية ووثق علاقته مع الكثير من الرؤساء والزعماء اقليماً وعالمياً. وتبعاً لهذه الوظيفية فقد اسندت له العديد من المهام الديبلوماسية ومن ذلك ارساله على رأس وفد شرفي الى لبنان ممثلاً عن جلاله الملك المعظم، ثم زار سوريا في مهمة رسمية أخرى تلاها زيارة رسمية للقاهرة في مهمة رسمية خاصة.
تأثر الامير نواف كثيراً لفقد والده الملك عبدالعزيز، ترك على اثرها العمل السياسي، وتفرغ لاموره الخاصة وغاب عن الوهج الاعلامي ، لذا شحت الاخبار المتعلقة بنشاط سموه في بداية عهد أخيه الملك سعود، وقرر الذهاب للدراسة في سان فرانسيسكو ، ولم يكن بالسهل ان يتحول مسئول كبير في القصر الملكي الى طالب لولا طموح الامير نواف واصراره على مواصلة تعليمة. لكن الظروف شاءت ان ينقطع عن الدراسية في امريكا لكنه لم يقطع مسيرته التعليمية فاستقدم عدداً من الاساتذة في مختلف التخصصات واكمل معهم المشوار التعليمي مع مواظبته على حضور المجالس الاستشارية والمحاضرات واللقاءات العلمية.
امتلك الامير نواف حساً تجارياً واثبت مقدرة فذة على اختيار المشاريع التي تتوائم مع طبيعة البيئة السعودية واحتياجات البلاد ، فأقدم مع شقيقه الامير طلال على انشاء اول مشروع تجاري وهو مصنع للثلج هو الاول من نوعه في الرياض. وخلال السنوات القليلة التي ترجل فيها الفارس عن المناصب الرسمية فقد حقق سموه انجازات باهرة في ميدان العمل الاستثماري والتجاري.
في اواخر سبعينات القرن الهجري الماضي عاد الامير نواف للعمل السياسي لمواجهة الازمات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد، فعين رئيساً للديوان الملكي، ثم عين وزيراً للمالية خلفاً للأمير طلال بن عبدالعزيز ثم طلب اعفاؤه من منصبه بعد أن ابلى بلاءً حسناً في معالجة الصعوبات الاقتصادية والمالية، التي مرت بها بلاده، ترأس خلالها العديد من اللجان من اهمها لجنة الميزانية العليا، ومجلس ادارة معهد الادارة العامة وغيرها. وكان خلالها قريباً من متخذ القرار السياسي، وامتلك مقدرة فذه على التأثير في قرارات الشأن السياسي ومن أهمها الموقف السعودي من الحرب العراقية الكويتية وموقف المملكة العربية السعودية منها، وتأييد الدول العربية والاوربية لها.
غاب الامير نواف عن واجهة الاخبار الصحفية لعدة سنوات حتى أصر الملك فيصل على عودته للساحة السياسية، وعينه مستشاراً خاصاً له، وان يكون قريباً منه ومرافقاً له في جميع جولاته الداخلية والخارجية، واسند اليه رئاسة الوفود الدولية لتمثيل المملكة العربية السعودية وكذلك حضور اللقاءات الرسمية مثل اعتماد سفراء الدول واستقبال وتوديع الزعماء وكبار الشخصيات والقيام ببعض المسئوليات الخاصة التي يسندها الفيصل له. فأصبح الساعد الايمن لجلاله الفيصل وامين سره، ومرافقاً له في حله وترحاله.
فجع الامير نواف بوفاة الفيصل عام 1395ه/ 1975م فترك الساحة السياسية مرة اخرى، وتفرغ لاسرته واعماله الخاصة وانصرف للقطاع الخاص، فأسس العديد من المشاريع التجارية التي اسهمت اسهاماً مشهوداً في النهضة الصناعية والتجارية . لكن مغادرته للساحة السياسية لم تدم طويلاً فقد عاد الامير نواف اليها مرة أخرى مستشاراً خاصاً للملك فهد ، ثم رئيساً للاستخبارات العامة، حتى عام 1426ه/2005م، واستمر مستشاراً خاصاً لجلالة الملك عبدالله ، ثم عين عضواً في هيئة البيعة، لكنه طلب الاعفاء لظروفه الصحية، وعين ابنه عبدالعزيز للقيام بمهام سموه في هيئة البيعة. واستمر مستشاراً خاصاً في عهد الملك سلمان حتة وفاته المنية عام 1436ه(3016م)، وكأن الله شاء له أن يكون مستشاراً لجميع الملوك الذين ادركهم من ابناء الملك عبدالعزيز، فاستحق لقب (مستشار الملوك) لا ينازعه فيه أحد.
لم تكن هذه السيرة الاولى التي يكتبها د/ فايز الحربي، لكن مما لاشك فيه أن هذا الكتاب جاء متميزاً عما سبقه، و تميز ه يمكن بالدرجة الاولى في دراسة هذه الشخصية المتميزة، والتي عاشت تعمل بهدوء بعيداً عن الضجيج الاعلامي، عاشت تعطي ملوك المملكة العربية السعودية، خلاصة خبراتها وتجربتها الحياتية بكل صدق ووضوح، وبمنتهى الشفافية, ولهذا استحقت شخصية الامير نواف بن عبدالعزيز ان تحصل على لقب « مستشار الملوك». كما أن تميز الكتاب ايضاً يكمن في صعوبة رصد انجازات الفقيد واستقصاء اعماله بسبب بعده عن الظهور الاعلامي، مما جعل المؤلف ينشد ضالته قي الرجوع لمصادر التاريخ السعودي من الكتب المحلية والخارجية والصحف والدوريات السعودية والعربية، ومن خلال ما تحتفظ به أسرة الفقيد من معلومات مكتوبة أو مروية أو مصورة. رغم الصعوبات التي واجهت الباحث في عدم وجود مكشفات اليكترونية لبعض مصادر البحث، مما كلفه الكثير من الجهد للوصول الى مبتغاه.
يضيف الحربي بهذا السفر التاريخي للمكتبة التاريخية السعودية سيرة تاريخية وثائقية فذه، تستحق الاشادة والاستفادة من جميع محطاتها الحياتية. سيرة تدرجت في الاعمال المتعددة مابين بلاط السياسة الى التجارة، وما بين العام الى الخاص، وفي كثيراً من محطاتها تؤثر مصالح بلادها وقادتها على مصالحها الخاصه. وكأنها تشتاق بين لحظة وأخرى الى تقديم استشارتها ونصحها لمن وثقوا بها ، وشعروا ان لديها من المعارف والخبرات ماهو سراجاً يضيء لهم ماشكل عليهم من صعوبات وماعجزوا حياله من اتخاذ قرارات. وهذا المؤلف الوثائقي ينضم الى ما سبق من مؤلفات الحربي ويضيف نجاحاً جديداً ممن ضمن نجاحاته، محققاً الريادة والتألق في كتابة سيرة فذة كسيرة صاحب السمو الملكي الامير نواف بن عبدالعزيز. وهو بدراسة هذه السيرة يؤرخ لحقبة زمنية مهمة من التاريخ السعودية من اوائل عام 1351ه وحتى 1436(2015م) مروراً بجميع المحطات والمنعطفات التاريخية التي مرت بها الدولة السعودية من عهد الملك المؤسس وحتى الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله-.كما أنه يقدم بهذا الجهد للاجيال القادمة نموذجاً من القادة الافذاذ الذين ينبغي ان يكونوا محط ثقة واعتزاز وفخر لكل من عرفهم او قرا سيرهم.
** **
أ. د. مريم خلف العتيبي - أستاذ التاريخ السعودي - جامعة الامير سطام بن عبدالعزيز - الخرج