علا صوت أحد الموظفين، بعد أن استنفذ كل قواه صبراً من زملائه وهم يأخذون أقلامه التي تتزين مكتبه واضعاً إياها في مقلمة من خشب أسطوانية الشكل مزخرفة بنقوش إسلامية،كانت محط إعجاب الكثيرين ممن يرونها على مكتبه.
حوت أقلاماً عجيبة لا تعرف هل جمعها لجمال شكلها؟، أم لأثر خطها على الورق؟ أم لأنه ممن يهوى جمع الأقلام وحسب، شأنه كجامع الطوابع والعملات وغيرهم ممن يصنفون كهواة.
لم يجبه أحد، لكن سرعان ما تقدمت صفية لإحضار قلم له لينهي معاملة بين يديه بعد أن لفظتها الطابعة من أحشائها.
لم يمر هذا الموقف عبثاً على رئيس القسم، بعد أن سمع شكوى محمد المتكرر من فقدان أقلامه التي كان يعشق تجميعها.
حضر رئيس القسم في اليوم التالي، ووقف في منتصف مكتب موظفيه، الذي كان مفتوحاً متصلاً بمكتبه.
وزّع لكل موظف قلماً.
لم يكن الموقف غريباً، ولم يشد انتباه أي شخص.
لكن صفية أردفت قائلة :هل هذا القلم ينجز الأعمال سريعا؟
تبسّم أستاذ فايز ورد بهدوء:
من يدري؟ ربما هو كذلك.
مرت الأيام، وكان الأستاذ فايز بين حين وآخر، يتفحص كل قلم يقع بين يديه شبيه بالذي وزّعه.
وعمل على تدوين مجموعة من الملاحظات، لم يكن ينتبه إليها أحد بحكم استقلالية مكتبه عن موظفيه.
كان يدون ملاحظاته في نهاية كل يوم بعد أن يخرج الجميع.
بعد انتهاء اليوم الأول، أحضر مدونته وكتب:
اليوم الأول القلم رقم 1 للأستاذة صفية لم يشاهد، القلم رقم 2 للأستاذ محمد، في مكتب الإيراد والتحصيل للقسم المجاور على منضدة صغيرة جانبية.
القلم رقم 3 خلف جهاز الحاسب الآلي بدون غطاء. القلم رقم 4 في السيارة.
في الفترة السابقة عمل محمد على، إعادة مقلمته المميزة، ووضع فيها عدداً أقل من الأقلام عن السابق.
كان سؤال محمد يدور بين كل حين، أين ذهب القلم؟ ويصف شكل القلم ولونه وشركته.
كلما أراد أن يوظف أي قلم من أقلامه المميزة.
مضت أيام العمل بالكثير من المعاملات، حتى أن الأستاذ فايز اضطر مع زحمة العمل، إلى تنفيذ تدوين مختلف في يوم الخميس.
بحيث يتابع حركة القلم رقم 1 ورقم 3 لاعتبارات في فكره.
بعد انتهاء الأسبوع وعندما انزوى الأستاذ فايز بعيداً عن ضجيج العمل، أخذ مفكرته يحلل رحلة كل قلم بعمل خريطة ذهنية لكل واحد.
نظر مندهشاً للنتيجة، قرّر بعدها أن يكون له لقاء يوم الأحد مع الأقلام وأصحابها.
كعادة كل بداية أسبوع، انشغال تام بين مراجع ومتابع ومراسلات إلكترونية وغيرها.
تذكر موضوع الأقلام مع سؤال صادر لأحد المراجعين أين القلم؟
أخذت عينه لمحة على ساعة الحائط المثبتة في الجدار المقابل أمامه.
بعد مرور نصف ساعة كانت أجواء المكتب هادئة عن أول الصباح.
استدعى موظفيه قائلاً لهم :
فليأتِ الجميع لدقائق مع القلم الذي وزعته عليكم في الأسبوع المنصرم.
أخذ الجميع يبحث، هنا وهناك ..
اجتمعوا بعد دقائق وكل شخص بيده قلم.
لم يكن هناك وقت للاستفسار أو التساؤل لماذا نحضر وبيدنا أقلام وزعت لنا مسبقاً.
بعد جلوس الجميع، وتأكده من رؤية يد كل واحد.
أريد أن أجيب على أسئلة الأستاذ محمد المتكررة:
أين تذهب الأقلام؟
وزّعت عليكم 3 أقلام واحتفظت لنفسي بالرابع.
لكنني لم أجد قلمي, قالها مبتسماً ومستغرباً.
على الرغم من أنني وضعته في سيارتي منذ اليوم الأول.
لقد تتبعت سير الأقلام الأربعة، من يومها.
تلفت الجميع باندهاش.
كيف تتبعت أستاذ فايز؟ أستاذ علي متسائلاً بغرابة.
سأخبركم.
لينظر كل واحد فيكم لنهاية قلمه.
أخذ الجميع يقلب قلمه.
فيم نبحث أستاذي، كان سؤال الأستاذة صفية حاسماً.
ستجدون رقماً محفوراً أو لعلها علامة.
خط واحد معناه القلم رقم 1 وهو لك أستاذة.
نعم صحيح خط واحد.
إذاً هذا قلمك أستاذة فعلاً.
دورك أستاذ محمد.
لا توجد علامه ليس فيه شيء.
هل لي أن أراه؟ تقدمت الأستاذة صفية للمساعدة، فعلاً لا يوجد علامة.
وما معنى ذلك؟
تناول الأستاذ فايز دفة الحوار.
- معناه ليس قلمك أستاذ ولكنك أحضرته بحكم تشابهه.
هل تعرف متى فقدت قلمك؟
لقد صال وجال قلمك في 3 أقسام ولم أدون عنه أي ملاحظة منذ يوم الثلاثاء.
أستاذ علي، ماذا عنك؟
-هناك مربع وليس خطوط. الأستاذ علي مجيباً.
ضحك أستاذ فايز ورد متسائلاً
مربع؟ دعني أراه.
إنه قلمي؟
القلم الرابع لي ولكن كيف حصلت عليه؟
- لقد أعطاني إياه أمس أستاذ منذر، وقال هذا القلم لقسمكم.
- منذر نعم كان معي في السيارة وقد احتاج قلماً وقتها لتدوين رقم هاتف لشخص ونحن متجهين للنادي الرياضي يومها.
أما عن قلمك يا أستاذ علي فكانت له قصة مختلفة.
كيف ذلك؟ الأستاذ علي وهو يوزع نظراته على الحضور.
- فقدت الغطاء من اليوم الأول ووجدته في سلة المهملات التي تحت مكتبك والقلم نفسه جلس يومان خلف الحاسب الآلي.
ثم لم أشاهده يوماً كاملاً.
اليوم الرابع بقدرة قادر كان في يدي وجدته على رف توقيع المعاملات في مكتب مدير الدائرة وصار له غطاء،
قاطع أستاذ محمد الحديث قائلاً ترقى قبل صاحبه.
بدت ابتسامة لطفت من الجو وأكسبته حماساً في متابعة المشاهد لرحلة الأقلام الجميلة.
وتابع الأستاذ فايز :
- اليوم الخامس يا عزيزي وصل لمكتب منسقة مدير الدائرة.
يعني ترقية أكثر على وصف الأستاذ محمد.
ضحك الجميع.
وفي نفس اليوم كان هناك اجتماع مع مدير الدائرة، وبعد أن تأكدت من علامته أحضرته المنسقة ووضعته على الطاولة التي اجتمعنا عليها 10 من الموظفين، بمختلف مناصبهم وأعمالهم.
أخذ يصول ويجول مع 3 آخرين الحسن في ذلك أنهم كانوا مختلفين عنه في الشكل، فأخذت عيني تراقبه وكأن حواراً خاصاً بيني وبينه.
بدت على الجميع جملة من المشاعر لا تعرف أن تصنفها.
قال الأستاذ محمد : الأستاذة صفية هي وحدها الفائزة بيننا.
رد الأستاذ فايز:
وفيم فازت عنا؟
-هي الوحيدة المحتفظة بقلمها.
-أخبريهم عن السر أستاذة.
-لا يوجد سر، كان في درج المكتب الذي عادة ما أقفله.
أخذوا يتحاورون فيما بينهم، لكن الأستاذ محمد كان حاضراً بجسده فقط، بدا عقله مشغولاً من حركة عينيه وهي تتفاعل مع السيناريو الذي كان يدور في ذهنه عن خط سير قلمه الذي كان متغيباً.
** **
عائشة بنت جمعة الفارسية - سلطنة عمان