د.فيصل بن عبدالله السويدي
يبقى هذا السؤال ملحاً في أذهان التواقة نفوسهم للصعود لهرم العبقرية كيف لهم الوصول إلى قمتها من أجل الانضمام إلى جوقة العباقرة؟
فهل العبقرية مكتسبة عبر المداومة على قراءة كتب العباقرة وغشيان مجالسهم وكثرة الحديث معهم لساعات طويلة للتأثر بدهائهم وتفوقهم الفكري والعملي؟ أم أنها سمة وراثية يظفر بها الإنسان عن طريق الوراثة كابراً عن كابر فتنتقل في جينات وراثية إلى ذات العبقري.
يذهب بعض المفكرين إلى الرأي القائل إن البيئة هي العامل الأساسي في صناعة العبقرية وليس للوراثة دورٌ في تشكيل العبقرية.
والعبقرية في رأيهم أشبه ما تكون بالبذرة والبيئة هي التي تتعهدها بالسقاية والعناية لكي تنمو وتورق ثم تؤتي أكلها كل حين إن كانت تهدف من وراء العبقرية صور الخير والرقي الإنساني, فالتربية والتنشئة على القيم الحسنة والمثل العليا تنعكس على الناشئ فيما تنتجه تلك العبقرية من علوم ومعارف وأعمال شعرية ونثرية, يقول عبد الرحمن عيسوي :(التربية يمكن أن تسهم في نمو العبقرية وازدهارها بين تلاميذها وذلك عن طريق تحقيق الأهداف المنشودة ثم تشجيع الأطفال وهم في مرحلة مبكرة عن طريق حثهم على التركيز بالتفكير في بعض الموضوعات والسماح لهم بالتفكير فيها لفترات طويلة سعياً وراء الوصول إلى حلولها).
لكن هناك جمهرة من علماء النفس يرون أن العبقرية وراثية ولا دخل للبيئة في تكوين شخصية العبقري وقد تبنى هذا الرأي كونراد حيث وجد معامل ارتباط قدره 49 % بين نسبة ذكاء الآباء وأبنائهم كما وجد مثل هذه الروابط بين ذكاء الإخوة الأشقاء، وهناك أمثلة نستلهمها من تراثنا العربي الأصيل من خلال بعض أسر ضمت عدداً من العباقرة الذين ورثوا العبقرية عن أسلافهم حتى وصلت إليهم فعبوا من نميرها العذب ومن تلك الأسر على سبيل المثال لا الحصر أسرة كعب بن زهير ابن أبي سلمى فوالده من شعراء المعلقات وجدّه ربيعة بن رباح وأخوه بجير شاعر وابنه عقبة شاعر وعمته الخنساء شاعرة.
وكذلك أسرة الحمدانيين فهي شجرة مورقة بزمرة من العباقرة من بينهم الخلفاء المحنكون كسيف الدولة و فحول الشعر كأبي فراس الحمداني.
وقد تأكد في العصر الحديث نظرية ارتباط العبقرية بالبعد الوراثي عبر جمعية أمريكية أطلق عليها اليوجينيا تسعى إلى تحسين النسل البشري فانطلقت إلى تتبع حياة عدد العظماء ووجدت أن العبقرية وراثية واستدلت ببعض الأسر التي تختزل جمعاً من العباقرة مثل أسرة الرئيس الأمريكي جون كنيدي وإخوانه والشاعر طاغور الحائز على جائزة نوبل في الأدب حيث نبت في أسرة ميسورة فكان أبوه من كبار المصلحين الاجتماعيين و جده راعياً للفنون
فهذه أسر تعتبر مصنعاً للعباقرة.
ثمة قصة يستدعيها المقام وفيها جانب من الطرفة وقعت للكاتب الإيرلندي جورج برناردشو كان يكره النساء وأخذ على نفسه موثقاً أن لا يقربهن فكتبت له إحدى الفتيات رسالة تقول فيها إنها جميلة وأريد الزواج منك كي تنجب طفلاً يحمل جمال أمه وعبقرية أبيه رد جورج برناردشو على الرسالة بسؤال يحمل في طياته التندر والسخرية قائلاً: (ولكن ماذا يا سيدتي لو أن الطفل الموعود جاء يحمل قبح أبيه وغباء أمه ولم يكن برناردشو جميلاً).