لبنى الخميس
شهد العالم الأسبوع الماضي قراراً تاريخياً سيغير شكل العالم إلى الأبد، وهو إقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة قانون زواج المثليين، بواقع خمسة أصوات مؤيدة أمام أربعة أصوات رافضة. القرار وجد أصداء عالمية واسعة، ونال من الجدل ما نال، بين أطراف رافضة ومحذرة من شروره، وأخرى مباركة ومؤيدة له، متمثلة بأعلى سلطة في أمريكا الرئيس الديموقراطي بارك أوباما، ومقر إقامته «البيت الأبيض» الذي احتفل بوضع ألوان الطيف على واجهته وهو علم المثليين المسمى بـ»علم الفخر» الذي ظهر أول مرة في مسيرة مؤيدة لحقوق هذه الفئة عام 1978 في مدينة سان فرانسيسكو.
مسيرات التأييد والمساندة الشعبية لم تقتصر على بعض النخب السياسية في أمريكا، بل شملت كبرى الشركات مثل قوقل وفيزا، وامتدت لمواقع التواصل الاجتماعي تويتر، فيس بوك وسناب شات، إذ أفردت مساحات فرح وتأييد ومباركة للقرار عبر وضع ألوان الطيف في مواضع عدة.
الاحتفالات المتواصلة، والضجيج المستمر، حول القضية وضع الآباء والأمهات - في عالمنا العربي والخليجي المحافظ بطبعه - بحرج كبير، خصوصاً وأن أبناءهم من رواد هذه المواقع التي باتت جزءاً لا يتجزأ من يومياتهم، ومساحات تعبيرهم عن ذاتهم، ما يشكل نقطة عبور ذات حدين إما لنور المعرفة وقيم التواصل البناء، أو لعالم التبلد والمبادئ الهشة.
أصعب سؤال ممكن تسأله الأم أو الأب.. كيف أفسر لأبنائي هذه الظاهرة؟ وأضعها في قالب سلبي مستهجن.. وكل ما حولهم من وسائل تواصل تحتفل وترحب بالرقص والقبلات والتهاني واستخدام ألوان الطيف؟
ولأن تجاهل القضية وعدم منحها ما صرف حولها من جدل واهتمام دولي، قد يترتب عليه عواقب وخيمة، خصوصاً وأن الحملات التي سبقت ورافقت صدور القرار، تمتعت باحترافية عالية في التسويق وتكثيف عوامل الجذب.. آثرت أن أشارك الآباء والأمهات ثلاثة وصايا في كيفية التعامل مع تلك القضية مع الأبناء:
- لا تمارس أساليب العزل والتضييق:
من المهم أن يدرك الآباء والأمهات أننا في عصر الفصاء المفتوح، ثورة المعرفة والتواصل، وعزل أبنائنا ثقافياً أو تكنولوجياً لن يحل الموضوع بل سيفاقم المشكلة ويساهم في رفع معدلات الفضول لاكتشاف تفاصيل أكثر دون تحري دقتها ومصداقيتها.
- الحوار .. ثم الحوار .. ثم الحوار :
قبل أن تقوم بسرد قائمة الحجج التي ترفض زواج المثليين.. وتوصمه بأبشع التهم، يجب أن تستمع لابنك أولاً، بهدوء ودون انفعال، وتسأله عن رأيه في الموضوع.. كيف يفهمه؟ وما هي انطباعاته؟ عبر استخدام هذا «التكتيك» سوف تفهم المتلقي أمامك، وبالتالي ستضاعف فرص إقناعك له، وتمهد لبناء أرضية حوار مشتركة تشعره بالأمان والارتياح والرضا تجاهك.
- أبدأ بسرد قائمة أفكارك المقنعة
أول فكرة من الممكن أن ينطلق منها الوالدان هي الرجوع إلى بداية الخلق، حينما خلق الله سبحانه وتعالى «آدم وإيف (حواء) وليس آدم وستيف» وبهذا التزواج أمن استمرار النسل البشري. ثانياً: استمر في ضرب الأمثال الربانية، تحديداً قصة قوم لوط الذي ذكرهم الله في كتابه الكريم حينما قال: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ}. ثالثاً: تناول الأضرار الصحية والطبية المترتبة على معاشرة الرجال للرجال، والنساء للنساء، من أمراض تناسلية وعضوية مختلفة.
أخيراً.. لا نريد أن نشعر أبناءنا أننا نغرد وحدنا في السرب.. إذ يجب أن نؤكد لهم وبالصور حجم المعارضة الغاضبة التي تبعت إقرار زواج المثليين في أمريكا، من مظاهرات، ومقالات، ومطالبات ترفض القانون وتحذر منه، لنحقق بذلك مجموعة متسلسلة ومتنوعة من
الحجج التي تحترم عقل الطفل والمراهق ولا تستهين به.. في عصر معرفي شديد التطلب.
هذه هي الحضارة.. لا تأتينا كما نشتهي.. تقبل بحلوها ومرها.. بموافقتنا ومباركتنا لبعض مخرجاتها، ورفضنا لبعضها الآخر .. لكن
المهم أن نسلح أبناءنا دينيناً وثقافياً وفكرياً حتى لا يكونوا متلقين ساذجين وهشين أمام أي تغير عالمي.