د.موسى بن عيسى العويس
* الإنسان عجول بطبعه وفطرته، والقرآن الكريم أشار إلى أنه خلق من عجل، أقول ذلك وقدر رجعت بي الذاكرة إلى ما قبل أكثر من أربع سنوات، بعد تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بستة أشهر، حيث تناول الكثير من كتاب الرأي العام ومرتادي المنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعي هذا الجهاز بالنقد، البناء حيناً، والانطباعي المتأثر بمواقف، أو أحداث معينة حيناً آخر، والغريب في الأمر أنه ومنذ ذلك الوقت يطرح عدم قدرة هذا الجهاز مع كونه وليداً على تقديم المتهمين بالفساد للقضاء، وإيقاع العقوبات، وإصدار الأحكام عليهم، ونحو ذلك من أحاديث. والإنسان بطبيعة الحال عدو ما يجهل كما يقال، ولا ملامة على البعض حينما يجهل المهام والاختصاصات لأي جهاز، ولا يكلف نفسه عناء السؤال والاطلاع والقراءة، ولا ملامة عليه حين يعبر عن آماله الكبيرة، وطموحاته العريضة بشكل انفعالي، فالكثير ينطلقون من غيرتهم على هذا الوطن العزيز، ويرون في المحافظة على مقدراته ومدخراته وأسس التنمية فيه واجبا يمليه عليهم الواجب الديني والاجتماعي. لأننا أصبحنا في عصر يسهل على الفرد المقارنة بين بيئة الوطن بكل المكونات، والأوطان الأخرى البعيدة والقريبة.
* أعتقد أن (نزاهة) حينذاك، وفي وقت مبكر تفاعلت مع المجتمع وقادها الإعلام ووجهها بطريقة قد لا يراها البعض مناسبة، لكن لا أحد يستطيع أن يقطع أو يحكم أن حراكها التثقيفي لم يكن له هدف أو دور في وعي الموظف، والمسؤول، فالتحذير والتكثيف في المشهد الإعلامي كان مقصوداً، باعتبار أن ذلك وسيلة من وسائل الردع والإنذار، وربما يساند هذا الرأي ما أفصح عنه المتحدث الإعلامي للهيئة الذي أشار إلى أن التراجع في عدد البلاغات والوقوعات بشكل تدريجي ينم عن وعي المجتمع بمهام اختصاصات الهيئة من جهة، ويقظة المسؤول، والموظف، ورجل الأعمال، والمواطن من جهة أخرى، ودرجة التعاون بين المؤسسات الحكومية والجهات المشمولة بتنظيم الهيئة مع الهيئة كذلك.
* من خلال البيانات التي صدرت عن (نزاهة) يلحظ القارئ والمتابع أنها اتخذت الصفة القطعية من الجهات القضائية، بصورة لا تترك لأي طرف الدخول في جدل عقيم عن مدى دقة وصحة تلك الوقائع والقضايا، ويبدو أن القضاء اليوم أصبح أكثر تفاعلاً وتفهما لمطالب
(نزاهة) ومن ورائها الجمهور الضاغط على أهمية الاستعجال في استصدار الأحكام القضائية تجاه المخالفات والتجاوزات التي يتم تصنيفها كجرائم، ومن المؤكد أن القضاء العادل باستقلاليته المطلقة لا يستجيب لعواطف الجمهور، إذ يفسح المجال للمتهمين وللجهات المشمولة بتنظيم الهيئة حتى تأخذ العدالة مجراها بشكل صحيح، بدون محاباة، أو مجاملة، أو تعسف في الأحكام.
ومن المؤسف أمام هذا التناغم والتطور في الأداء أن نجد من يلمز ويهمز من طرف خفي بالأحكام القضائية، دون تثبت، أو استقصاء، أو إدراك عميق لعواقب مثل تلك الأطروحات وما تحمله من أثر سلبي على سمعة القضاء داخلياً وخارجياً.
* أربع سنوات من العمل لنزاهة كانت كفيلة بنضج التجربة في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد، والأولويات التي ينبغي مباشرتها.
* أربع سنوات كانت كفيلة كذلك أن تتفهم كل جهة رقابية ذات علاقة حدود عملها، والعلاقة التي تحكمها بالجهاز الآخر، فكانت هذه الإنجازات المرضية.
* أكاد أجزم أنه وبتعاون جميع مؤسسات الدولة سيأتي اليوم الذي تستطيع (نزاهة) أن تعطي جمهورها في تقريرها السنوي لغة أرقام بحجم الأموال المستردة من جرائم الفساد، أو ما هو في طور المطالبة والاسترداد، أو ما يمكن تقديره جراء مبادراتها في متابعة المشاريع العملاقة التي شاب سير عملها شيء من القصور، أو التهاون، أو الإهمال، أو التجاوز.