د.موسى بن عيسى العويس
لا أحد يختلف على أن التغيير والتدوير الوظيفي في المؤسسات بشكل عام، سواء الحكومية أو الخاصة، إحدى الظواهر الإيجابية في مسيرة المؤسسات. وذلك الأثر الإيجابي يمتد إلى من يطولهم التغيير والتدوير، شعروا بذلك، أو لم يشعروا.
سياسة التغيير والتدوير متأصلة ومتجذرة في أنظمة العالم الأول، ويحكمها النظام وليس الإرادة، أيًّا كان مصدر هذه الإرادة، إلا أن ما يحكمه النظام يندرج تحت العمل المؤسسي الأصيل، والعمل المؤسسي هو ما تتبارى فيه الدول وتتسارع إلى تطبيقه وتأصيله كثقافة عامة.
* في العقدين الأخيرين بدأت المملكة العربية السعودية، وبخطوات متأنية ومدروسة، بالأخذ في هذا الاتجاه، بعد تحديث أنظمة الحكم، وما تلاها من تشريعات لبعض مؤسسات الدولة؛ إذ مورست سياسة التغيير والتدوير في المؤسسات وفي المجالس على أسس منظمة. ومما لا شك فيه أن القدرة والكفاءة في أداء العمل أصبحتا إحدى المعايير والمحكات الرئيسة في تقييم المسؤول، واتسعت إثر ذلك دوائر الرقابة، والمتابعة، والمحاسبة، والمساءلة، والاستجواب، وأصبحت ممارسة الشفافية والوضوح مع المواطن والمستفيد من الخدمات التي تقدمها الحكومة مطلباً أساسياً، بل أصبح للمواطن، أو المجتمع ومؤسساته المحلية دور كبير في تقييم الأعمال والممارسات، وساعدهم في ذلك تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة التي لم يكن أي فرد في مأمن منها، حتى على مستوى الأسرة التي اخترقت بعض خصوصياتها.
* السؤال الذي يطرح نفسه أمام بعض الإعفاءات التي طالت بعض المؤسسات أيًّا كان مستواها: هل الخلل دائماً في أداء الأفراد، بحيث ينسب لهم النجاح أو الإخفاق؟ هذا إذا وضعنا أن التغيير سببه الإخفاق؛ لأن التغيير قد تكون دوافعه تطويرية بحتة، وضخ دماء تحمل أفكاراً جديدة في إدارة المؤسسات. ألا يمكن أن يكون النظام واللوائح والإمكانات المادية والبشرية في بعض المؤسسات وعدم أداء رسالتها بشكل سليم لها دور كبير في الإخفاق الإداري؟ هذا السبب دائماً يتحاشى المسؤول وهو على دفة القيادة إثارته وطرحه.
* السائد في المجتمع أنهم يعلقون الإخفاق على الفرد؛ ذلك أن الأنظمة واللوائح وبيئة العمل وإمكاناتها غائبة عنهم، ولا يدركها إلا من كابدها من ذوي الاختصاص؛ لذلك فقد نعذر المجتمع حينما يتخذ من المسؤول شماعة يعلق عليها القصور، أو الأخطاء، حتى أن الكثير من الأفراد يتخذ من بعض الإعفاءات حديث مجالس، ومادة للتندر والتشفي، وقد يقعون في هذا الجانب في محظور شرعي أو نظامي نهانا الإسلام عنه، وسنت بعض الأنظمة لتجريمه، وما بعض ظواهر بعض الاحتفالات التي أقامها بعض الأفراد عند إعفاء بعض المسؤولين ببعيدة عن الذاكرة.
* وبطبيعة الحال، فالمواطن ليس مسؤولاً، أو مطالباً بتقييم الأنظمة، أو اللوائح؛ إذ إن هناك جهات أخرى في مؤسسات الدولة أنيط بها مثل تلك المهام.
* ربما، ولقصور في التوعية يجهل الكثير أن (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) أنيط بها مراجعة الأنظمة، واللوائح، والعمل على اقتراح تطوير ما ينبغي تطويره منها، مما يتصل منها بالجوانب المالية والإدارية على وجه الخصوص، أو ما يتصل باللوائح والأنظمة والإجراءات والسياسات ذات الصلة بالخدمات المقدمة للمواطنين. هذه المهمة غائبة عن بعض المواطنين؛ إذ يلحظ التفاتهم إلى غير ذلك من مهام الهيئة المتعددة.
* إن المطلوب من المواطن ومؤسسات الدولة في هذا الباب أن تمد يد العون والمساعدة، والمشاركة الحقيقية للهيئة في تطبيق الاستراتيجية الوطنية التي هي مسؤولية الجميع؛ لكي تتحقق الأهداف والمقاصد من إنشاء هذه المؤسسة الوليدة، مع أننا أصبحنا نلمس شيئاً من التفهم لمهام الهيئة وأدوارها في كثير من المؤسسات المشمولة بتنظيمها؛ إذ أخذت هذه الجهات في وضع قضايا الإصلاح المالي والإداري من أولوياتها في بناء خططها الاستراتيجية.