د.محمد الشويعر
إننا - ونحن نتحدث عن الإعلام, ودوره في التقدم بالأمم, وتحقيق مصالحها العامة, وفي إطار حديثنا عن مسؤولية الإعلام في الأقطار الإسلامية في تحقيق وحدتها وتضامنها وحمايته..
كما تم تناوله بقسط من التوضيح في المقالات السابقة - نعيد ونكرر التركيز على أهمية الكلمة ومسؤوليتها، فكما تحدثنا عنه سابقاً، فإن الكلمة لا يمكن فصلها وعزلها عن الفكرة التي تلقى إلى المجتمع من خلالها، ولا عن المنهج الذي يتم سلوكه؛ لتوصيل تلك الفكرة، فالكلمة سواء كانت موجهة إلى المجتمع عبر وسيلة مسموعة أو مرئية، هي وعاء الفكرة التي يدعو إليها المتكلم، ويهدف إلى إقناع الأمة والمجتمع بها، فلا مناص للمسلم - إعلامياً كان أو غيره - من استشعار مسؤولية الكلمة، والسعي إلى أن تكون محققة للأهداف المرجوة منها، من غرس البذور الطيبة في النفوس، وتعهد تلك البذور بالسقي والرعاية والعناية، حتى تؤتي أكلها وثمارها الطيّبة اليانعة، وذلك بأن تكون مقيّدة بمصدري التشريع الكتاب والسنّة، فرب كلمة تقول لصاحبها: دعني، كما في المثل العربي المشهور، وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم» [صحيح البخاري 8- 101].
فمن هنا وجب على المتكلم - وخاصة رجال الإعلام - أن يكون هذا التوجيه النبوي حاضراً في أذهانهم باستمرار، فإن مسؤولية الإعلام مسؤولية كبيرة، والتحدث في وسائل الإعلام أو إليها، من الأمور الدقيقة جداً، والتي تستدعي من القائمين عليها مزيداً من الاهتمام واستشعار هذه المسؤولية، مما يحتم عليهم الالتزام بالحقيقة دائماً، وتجنب كل ما يشوش على الأذهان، وما يسبب بلبلة في الأفكار، أو الاضطراب في المجتمع، وعليهم أن يكونوا حريصين على الوضوح، وأن يتجنبوا الحديث فيما ليس لهم به علم، أو فيما لم تتضح عندهم حقيقته أو فائدته.
بل إن على الإعلاميين المسلمين أن يصبحوا قدوة في الإعلام النزيه، وفي التوجيه النافع والهادف، وأن يهتموا بتحرير عباراتهم بأجود ما يمكن، وتكون الأولوية عندهم لإزالة اللبس والإبهام عن ذهن المتلقي، وبيان الحق والصواب والنافع، ويكون الدافع وراءهم في كل ذلك هو ابتغاء مرضاة الله، ففي ذلك خدمة كبيرة للدعوة وللأمة الإسلامية، كما أنه هو الكفيل بانتصار الإعلام الإسلامي في معارك السجال القائم في الساحة الثقافية.
فلا شك أن الإعلاميين في البلاد الإسلامية يتحمّلون عبئاً كبيراً، في توضيح الرؤية الإسلامية للآخرين، وفي الإسهام الفعَّال في هداية المجتمعات الإسلامية إلى الطرق السليمة، ووقايتهم من الأفكار الهدَّامة، وعليهم أن يهتموا بشرح ثقافة أمتهم للآخرين، وفي تقديم هذه الثقافة للعالم الخارجي بصورة محببة إلى النفوس، متحلية بالروح الإسلامية الإيجابية والجذابة.
ولكي يحققوا هذا الهدف النبيل يتوجب عليهم أن يوفروا طاقاتهم لتعليم الناس ورفع مستوى وعيهم، لا أن يستهلكوها في التشاحن والتشاجر، وإبداء العيوب والمبالغة في النقد الهدَّام، في تنافس محموم على كسب الجماهير، ولفت الأنظار، فهناك الكثير من النقاط المشتركة بين المسلمين، ينبغي استثمارها في تقارب وجهات النظر، والتركيز عليها واعتبارها قاعدة مشتركة للتوجيه والإرشاد.
ومن تلك النقاط على سبيل المثال ما يلي:
1- تعظيم شعائر الله، والاعتزاز بشرائع الإسلام، وعرضها على العالم بصورة جذابة، وبالشكل الجميل.
2- التركيز على الشعور الوطني وتقويته في النفوس.
3- وضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار، وتنمية هذه الثقافة في النفوس.
4- الاهتمام بإبراز مواضع الاجتماع ونقاط الاشتراك بين المسلمين، سعياً لتقريب المواقف وتوحيد الرؤية.
5- محاربة العنف وإشاعة الرحمة الإسلامية بين العالمين، وتنمية ثقافة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
6- إشاعة روح الحوار والالتزام بآدابه واحترام الآخر، والحرص على نزاهة اللسان والقلم، مع التأكيد على قول الحق والقبول به.
7- نشر ثقافة تنزيل الناس منازلهم، واحترام التخصصات، فلا ينصب الصحفي نفسه في مقام المفتي، ولا يتصدر الكاتب الأديب للبت في قضايا فقهية معقدة.
8- محاربة الدعوات الهدامة، من عنصرية وعرقية... وإرساء قاعدة التفاضل التي ارتضاها الله لعباده، حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].