د.محمد الشويعر
إن العالم الإسلامي الذي يحتل رقعة واسعة وكبيرة من المسكون على وجه الأرض، يُشكِّل طاقة استهلاكية في كل شيء، حتى في الناحية الإعلامية، ولن يكون ثابتاً على قدميه في وجه التحديات المفروضة عليه،
إلا إذا أصبح منتجاً لما يحتاجه، وبالأخص المادة الإعلامية فكراً وإنتاجاً، ومادة وعملاً وترويجاً وتوجيهاً.
والإعلام ميدان واسع ومهم، يُستفاد منه في تنبيه المسلمين لدورهم في الحياة نحو أنفسهم وإخوانهم، ولإدراك ما يريده أعداؤهم بهم.
واتفاق كلمة المسلمين وتوحيد جهودهم في النظرة الإعلامية، يُعتبران خطوة أولى نحو اتحادهم وتضامنهم في وجه عدوهم وتفنيد مآربه وأغراضه نحوهم.
فإذا كان الإعلام سلاحاً موجهاً إلى عقول المسلمين، بما فيه من توجيه وأفكار لأمم الأرض ونِحلها، مع رغبة في فرض آرائهم على أبناء المسلمين؛ ليأسروهم نحو هدفهم، وليجعلوا منهم دعاة لمبادئهم ومعتقداتهم، فإن أبناء المسلمين - وبعمل جماعي وجهود مكثفة - يستطيعون أن يوجهوا هذا الإعلام إلى ناحيتين مفيدتين، قادتهما تعاليم الإسلام:
1 - تنمية وتنشيط عقول المسلمين وإعادتهم إلى قاعدتهم الصلبة التي انطلقت منها الدعوة الأولى؛ لأنها السبيل لإصلاح ما نجم من فساد وفرقة، كما قال الإمام مالك - رحمه الله -: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وأولها لم يصلح إلا بالإسلام» وبذلك نصلح بيتنا من داخله، قبل أن نفكر في إصلاح بيوت الآخرين.
2 - مزاحمة الإعلام الموجه بإعلام ذي هدف وغاية، على مبدأ المثل العربي: «إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب». وتوجيه هذا الإعلام بلغات متعددة، وتشويق يلفت النظر، من باب الهجوم المضاد؛ لنشككهم في إنتاجهم، ونزاحمهم في هدفه وجودته، وغايته، ورخص تكاليفه، فالإعلام قد أصبح مع الفكر تجارة، والتاجر الذكي هو الذي يعرف كيف يروِّج بضاعته، ويزاحم بتجارته، خصوصاً أن الإعلام في هذا العصر، بلغ مرتبة من التداخل والذيوع، لم يصل إليها في أي عصر من العصور، بعد توفر الاتصالات المختلفة، وتداخل الثقافات، واستعمال الأقمار الصناعية في نقل المرئيات من مسافات بعيدة، وتعدد المؤتمرات والندوات الثقافية، وتبادل الإنتاج الثقافي والمراكز الثقافية، في هذا العصر الذي نجد أن للإعلام دوراً كبيراً نحو المسلمين بعضهم البعض، بالتضامن والوحدة، ونحو بناء الإسلام في كل مكان نحو أنفسهم ورسالتهم في الدعوة إلى دين الله الذي حملوا رسالته.
وتكون هذه المزاحمة بتوحيد الجهود، والعمل المتواصل من أجل إنتاج وتكوين إعلام يحقق للمسلمين التضامن والوحدة وتقارب وجهات النظر، والتعرف على بعضهم البعض، وحل المشكلات الناجمة من اختلاط الثقافات، وتعدد المصادر الإعلامية الداخلة بينهم، كما يحقق أيضاً لغير المسلمين القدوة الصالحة، والانجذاب ثم الانصهار في بوتقة الإسلام.
وهذا الإعلام الذي ننشده ونحتاجه، ونتطلع إلى إيجاده، لا بد أن يشمل في صوره الثلاث (المقروء، المسموع، المرئي) ما يلي:
1 - أن يكون الاعتماد في استقاء الثقافة الإسلامية على المصادر الإسلامية، ومتقيدة بالكتاب والسنّة، فهما المصدران اللذان لا يتطرق إليهما الشك، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء.
ويكون هذا الاعتماد شاملاً لجميع مجالات الكتابة: قصة ورواية، سيرة وتاريخاً، ففي التاريخ الإسلامي وتراجم وحياة رجاله، ما يروي الغليل، ويعطي القدوة الصالحة في تآلف القلوب، وسيرها نحو التآخي والمحبة، ونكران الذات، والعمل المستمر نحو المصلحة العامة؛ لأن الإسلام لا يعترف بأفضلية جنس على جنس، ولا تقديم عرق على عرق: (المسلمون إخوة لا فضل لأحدهم على أحد إلا بالتقوى) رواه الطبراني من حديث محمد بن حبيب عن أبيه. (تفسير ابن كثير ج4 ص217). فمن سيرة رجال العلم وقادة الحروب، وحماة الدين وعمار الديار، ومن صفحات السجل الإسلامي يخرج المسلم في كل مكان بأن الأفضلية في هذا الدين لمن يعمل ويخلص، ويصدق ويمتثل؛ وذلك أن الإسلام أيام عز دولته قد وحّد القلوب وجمع المشاعر في تآلف نحو هدف أسمى وغاية نبيلة، ويقدر العامل لعمله وإخلاصه، وأهم ذلك القدوة الصالحة.
2 - التعريف بالعبادات الإسلامية والتوجيه إليها منهجاً وسلوكاً، وحكمة تشريع، وغاية في العمل، فتخاطب بذلك جميع العقول والمستويات المختلفة، فهناك أنواع من المتلقين:
- نوع يستفيد ويتعلم عن كيفية الأداء والامتثال.
- نوع ينجذب بالتقليب والإحساس الروحي.
- نوع يتعمق ويقارن حسبما لديه من ثقافات، أو حسبما قرأ من علوم.
- نوع يستلهم الحجة ويجد الجواب في شبهة طُرحت عليه، ونقاش مر به، وحار فيه جواباً.
وجميع هذه الأنواع يخرجون بحرص الإسلام على تجميع القلوب، وتآلف المشاعر، والدعوة إلى التضامن والتآخي في عمق المدلول، ونبل المقصد، مع نبذ للطبقية والعنصرية... تلك الخصال التي تورث العداوات والحزازات، ويتألم من واقعها كثير من شعوب الأرض، فشعوب الأرض تريد المثالية بالتطبيق، والنتائج المحسوسة بالقدوة.
3 - توحيد الجهود في أعمال جماعية يبذل لها في أعمال مشتركة من حيث:
أ - التمويل، ورعاية الموارد حتى يستمر الإنتاج الجيد والمثمر.
ب - الإنتاج المحلي وتحديث غايته، وتوحيد الهدف وترشيد مقاصده.
ج - تبادل الإنتاج وتوحيد الفكرة والمنطلق.
د - الاستفادة من العاملين في هذا الإنتاج، ومن كل بلد إسلامي.
هـ - رعاية هذا الإنتاج وتنقيته من الأفكار الدخيلة، والاطمئنان على سلامته بهيئة إشراف مؤتمنة، ثم الترويج لتداوله في داخل الدول الإسلامية وخارجها، فإذا برزت النتائج اتسعت الدائرة.
و - تحديد جهات متخصصة، سواء كانت تجارية: فردية أو جماعية، أو هيئات شبه حكومية تتولى الأعمال الإعلامية: صناعة وإنتاجاً وتمويناً، وأخرى مشابهة تتولاه ترويجاً ونشراً ومتابعة، وعن هذه الجهات التي يحسن التسليط عليها إعلامياً؛ لتعرف في الأوساط المهتمة، يتم الاطمئنان إلى الإنتاج المفيد والمثمر.
ز - تركيز الاهتمام على أن يكون منطلق الوسيلة الإعلامية بأنواعها الثلاث:
- تتبع ما يُثار حول الإسلام والدول الإسلامية والرد على ذلك، والدفاع عن المسلمين في كل مكان، أفراداً وجماعات، أو حكومات أو هيئات، انطلاقاً من الحديث الشريف الذي يعطي المسلم دفعة قوية في التآلف والمحبة، والترابط والإخاء؛ لأن من حمى مؤمناً من منافق، بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة، من نار جهنم، ومن رمى مؤمناً بشيء يريد شينه به، حبس يوم القيامة على جسر من جسور جهنم، حتى يخرج مما قال. أخرجه أبو داود عن معاذ ابن أنس الجهني.
- الاهتمام بمثل هذه الردود على مستوى العالم الإسلامي، وتكرار هذا الشعور، وتداول ذلك الإنتاج الذي يجب أن يكون خالياً من المبالغة أو الدفاع بالباطل، أو تمجيد الأشخاص.
- التغاضي عن هفوات بعض الدول الإسلامية، إذا كانت لا تمس جوهر الإسلام وعقيدة المسلم أو المسلمين، والرد على ما يبدر منها بصورة المبني للمجهول، في أسلوب توجيهي بنّاء، حتى يكون للردود صدى وللتوجيه ثمرة؛ لنتحاشى التعصب الممقوت، والدفاع بالباطل.
- الإشادة بكل عمل مجيد يخدم وحدة المسلمين، ويزيد تضامنهم عندما يصدر عن أي مهنة أو دولة إسلامية، أو فرد من هذه الدول، وتكراره والتركيز عليه حتى يكون قدوة تُحتذى.
- تبني الإنتاج الإعلامي الذي يخدم فكراً إسلامياً يجمع كلمة المسلمين، ويُوحد بين أفرادهم وجماعتهم أو دولهم، وإشاعته ثم الإشادة به، في عمل إسلامي جماعي، ورصد الجوائز ووضع الحوافز في سبيل ذلك، حتى يدفع الفكر إلى الاستزادة والعمل إلى التكاثر: اقتداء واحتذاء.
- اتحاد الكلمة والجهود والفكر، مع المقاطعة لأي عمل أو قول إعلامي يخدم الفكر المناهض للإسلام، أو يبث الفرقة بين أبناء ودول الإسلام، والوقوف دون نفوذ ذلك للعالم الإسلامي، بطريق مشروع أو غير مشروع، حتى لا يتسرب إلى الناشئة، فيسمم أفكارهم ويبلبل أذهانهم.
- محاربة الدعوات المضادة للإسلام فكراً وإعلاماً، والمنتشرة في العالم الإسلامي، إلى جانب المنظمات التي تبث الفرقة وتخدم العدو، وتباعد بين المسلمين كنوادي الروتاري والمارنز وغيرها؛ وذلك بوضع بدائل وتسليط الإعلام المحبب لهذه البدائل، والتنويه بأضرار ومصائب هذه الأشياء الدخيلة وما تهدف إليه.
- التركيز على مواد إعلامية تبني القاعدة الإسلامية من الجذور، وتقوي المنطلق الذي سيكون مرتكزاً مستقبلياً في تضامن المسلمين ووحدة هدفهم وغايتهم في مثل:
أ - الاهتمام بالأطفال، وتنمية روح المحبة والألفة التي يحرص عليها الإسلام، وتسير وفق شريعته وتعاليمه، في كتب ومجلات متخصصة، ومسلسلات مسموعة ومرئية، ومواقع إنترنت ببرامج نافعة وهادفة، تعطي الطفل جرعات متعددة، وبالقدوة والعمل والاتجاه والإحساس بشعور إخوانه الأطفال في العالم الإسلامي، ورعاية أحوالهم على هيئة لعب تهدى وملابس مستعملة ترسل لفقراء المسلمين، وهدايا للأطفال المرضى والمشلولين وغيرها.. ويصحب هذه الأعمال الصغيرة توجيه وإشعار بأننا مدفوعون إلى هذه الأعمال بتوجيهات ربانية، وأن القرآن هو الذي أمرنا بهذا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يوجهنا إلى هذا، إلى جانب الشواهد التي تمكِّن القول وترسِّخ العمل، أما إذا كان مقروناً بشواهد من أعمال الأطفال الإسلاميين، أو سيرهم في أي عصر حتى ولو كان حاضراً، فهذا أمكن وآكد وأدعى إلى تحقيق الهدف المنشود.
ب - الاهتمام بالمرأة، فهي نصف المجتمع، وهي عضو عامل فيه، تحتاج إلى جهود إسلامية في العمل الإعلامي تناقض الخلط الذي تسير فيه الوسيلة الإعلامية في العالم الإسلامي حالياً، حيث تحركها أيدٍ خفية تريد إبعادها عن الخط الإسلامي ومنهجه، الذي يبصرها بدورها الحقيقي في الحياة.
إن المسلمين أصحاب رسالة حملوا تبليغها، وتستمد إلهامها من مصدرٍ، معينُه لا ينفد، ومحاسنُه تتجدد، وغايتُه واضحة وتحتاجها النفوس.
أما غير المسلمين فهم ينطلقون من فراغ، أو يدعون إلى باطل لا مصدر له.
قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} (23) سورة النجم.
يقول أحد المستشرقين في دعوة لأبناء جلدته للتضافر ضد المسلمين، والوقوف ضد فهم تعاليم الدين الإسلامي وتطبيقها على حقيقتها: «لو طبّق المسلمون تعاليم دينهم، وساروا على ذلك المنهج قدوة وعملاً، لأغلقت المحاكم ودور الشرطة في بلادهم، وأُخليت السجون من نُزالها، ولوجدنا أوروبا تنساق بأمرها نحو الإسلام الذي يجدون فيه راحة من مشكلاتهم العديدة».
وهذا التطبيق الذي يشير إليه هذا المستشرق، قدوته من الإعلام الذي يحسن أن يتميز، وأن يوجه إلى الاهتمام بالفضيلة التي يدعو إليها الإسلام، وتحرص مثله عليها بالقول والفعل؛ لما تنطوي عليه تعاليمه من مثاليات تتطلبها النفوس ونتائج تتطلع إليها الأفئدة في كل مجتمع ينشد المحبة والسلام والهدوء والاستقرار والتآلف والتعاطف بين أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم.