يوسف المحيميد
على مدى التاريخ تبقى الفنون والآداب هي الوسيلة الأكثر قدرة على التعبير عن الواقع، وفضحه، وانتقاده، خلافاً للأدوات المستخدمة الأخرى، سياسية واقتصادية واجتماعية، التي مهما اتخذت من أشكال متنوعة، للتعبير عن أصوات الشعوب، فإنها لا تكون حرة ونزيهة كما هو الأدب والفن، فعلى سبيل المثال، حين كانت الشيوعية تشدد القبضة على الشعب، في الاتحاد السوفييتي سابقاً، برزت أجمل الأعمال الأدبية لدستويفكي وتشيخوف وغوغول وغيرهم، وكانت نصوصهم معبرة كثيراً عن الواقع الاجتماعي السائد آنذاك.
وكثير من الأعمال الفنية التشكيلية، استطاعت التعبير عن واقعها بكل قسوة، فعلى سبيل المثال كانت لوحة الجورنيكا لبيكاسو، لوحة خالدة تعبر عن الحرب الأهلية الأسبانية، فقد انتهت الحرب، ودونتها كتب التاريخ والسياسة، لكنها بقيت حاضرة بقوة، وقادرة على الوصول إلى الناس في مختلف الأزمان، عبر هذه اللوحة الشهيرة.
هكذا فعل مسلسل (سيلفي) في حلقاته الماضية، استطاع نبش جراحنا بقوة وشجاعة، منذ حلقة الفنان المغني التائب، وحلقتي الالتحاق بصفوف داعش، وحتى مناقشة الخلاف المذهبي، بكل حرية ووضوح، في سابقة تعد هي الأولى في الفن، على الأقل في الدراما، بحيث استخدم الكاتب خلف الحربي، الصراع بين شابين، بكل ما يحملانه من إرث وتركة، وتصورات تقليدية عن المذهبين السني والشيعي، ليكشف لنا عمق خلافنا، وفداحة وساوسنا تجاه بعضنا البعض، إلى درجة أن أحد الشابين، وبعد الصراع الكلامي بينهما، وحينما نهض، التفت لصاحبه يسأله: «تفلت في الكأس»، ناقلاً معه أوهام محيطه الاجتماعي، من أن هؤلاء يبصقون في الأكل والشراب الذي يُقدم لنا!
صحيح أن ثمة ملحوظة مهمة، ليست في السيناريو فحسب، بل في الحوار تحديداً، الذي لم يكن في مستوى الحالة الدرامية في معظم حلقات سيلفي، فقد كان ضعيفاً بصورة واضحة، وخاصة عند تكرار العبارات نفسها أكثر من مرة، في المشهد ذاته، مما يُشعر المشاهد بفقر الحوار، خلافاً لقوة الفكرة المطروحة وجرأتها الكبيرة!
هكذا حينما نعجز أن نفكر بصوت مسموع وعالٍ، يأتي الفن والأدب لينقذنا من وجلنا وقلقنا وترددنا، وليقل ما لم نستطع قوله في عملنا الاجتماعي والإداري، ويصبح مرآة الواقع، الأشد مرارة!