6.8 مليون مدخّن سعودي و12.4 مليار ريال في العام الواحد!! ">
الجزيرة - سلمان بن محمد العُمري:
تكمن عظمة الشريعة الإسلامية الغراء في أسبقيتها لكل الأنظمة والقوانين الوضعية في حماية الإنسان من كل خطر قد يتهدده، حتى وإن كان مصدر هذا الخطر هو سلوك هذا الإنسان ذاته، من هنا جاء تحريم الإنسان للتدخين باعتباره من الخبائث التي حرمها الله - سبحانه وتعالى - في محكم آياته قال - جل جلاله -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (157) سورة الأعراف
وقال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [ النساء: 29]، وقال - تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وغيرها من الأدلة القطعية التي يستند إليها الفقهاء في تحريم التدخين بكل أنواعه.
ولا يخفى على عاقل ذي فطرة سليمة أن التدخين من الخبائث التي حرمها الله في نصوص قرآنية عامة تتجاوز حدود التسمية الضيقة لهذا النوع من المواد أو الأشياء التي تأكد ضررها على الإنسان.
ومما يؤسف له أن كثيراً ممن ابتلوا بالتدخين غير مقتنعين بتحريمه، على الرغم من كثرة الأدلة العقلية والنقلية، والنصوص الكلية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، بدعوى أن التدخين لم يكن معروفاً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والبعض يحاول التخفيف من تحريم الدخان، فيقول إنه مكروه، وليس محرماً، ولا شك أن غالبية هذه الدعاوى مماحكات جدلية لا تُعبّر عن خلفية علمية قوية لقائلها بقدر ما تعبّر عن روح العناد والإصرار على الخطأ، حتى لا ينكشف للناس ضعف عزائمهم حتى لا يكونوا محل استهجان الآخرين بهذا الفعل، وإلا فهم في قرارة أنفسهم يقرّون بحرمته وخطورة ضرره.
قد يهوّن البعض من مخاطر التدخين، أو يشكك في صحتها دون أدنى معرفة بحجم هذه الكارثة التي باتت تؤرق العالم بأسره، من خلال ما ترصده الهيئات الطبية والصحية الدولية والإقليمية من نتائج تحمل دلالات مخيفة من خلال ما تقدمه من أرقام وإحصائيات لا مجال فيها للشك، وهي المقياس الدقيق الذي يعبّر عن حجم هذه المشكلة الكبرى، ونقدم بعض هذه البيانات كما حملتها التقارير الطبية المتخصصة لمنظمات صحية محل ثقة.
فتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية، أن عدد ضحايا الأمراض الناتجة عن التدخين يصل إلى 10 ملايين شخص بحلول عام 2030 م، منهم 7 ملايين - على الأقل - في الدول النامية، ودول العالم الثالث، وربما يتزايد العدد بنسبة تُقدر بـ 3% سنوياً ما لم يتم تفعيل جهود مكافحة التدخين.
زيادة المخاطر
وتبذل منظمة الصحة العالمية جهوداً مضنية لمكافحة التبغ، ومن آخر التدابير التي عملتها اتفاقية المنظمة بشأن التبغ وهي أول معاهدة دولية تم التفاوض بشأنها تحت رعاية منظمة الصحة العالمية، وأصبحت واحدة من أسرع الاتفاقيات التي أقرتها الأمم المتحدة حتى الآن، مع توقيع 180 طرفاً عليها، مغطية بذلك 90 % من سكان العالم.
ومن شأن التنفيذ الكامل للاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية أن يدعم الالتزمات العالمية بتحقيق انخفاض بنسبة 25% في الوفيات المبكرة الناتجة عن أمراض غير المعدية بحلول عام 2025 م، بما في ذلك انخفاض بنسبة 30% في معدل انتشار استخدام التبغ بين الأشخاص الذين تترواح أعمارهم بين 15% سنة وما فوق، ومع ذلك فإن مكافحة التبغ لم تنته بعد.. فشركات التبغ لا تزال تنفق المليارات على الدعاية. في نفس الوقت، فهي تتحدى تنفيذ الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية وقوانين مكافحة التبغ في المحاكم الوطنية والدولية، ومن خلال اتفاقات التجارة والاستثمار.. كما أن استخدام منتجات جديدة مثل أنظمة النيكوتين الإلكترونية، والمنتجات الحالية مثل الشيشة في أشكال الجديدة تكتسب شعبية.
ومن الأدلة التي لا جدال فيها على ازدياد مخاطر التدخين على المستوى الإقليمي، ما أكدته منظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط من أن التدخين بين الأطفال والمراهقين في الفئة العمرية 13-15 عاماً تجاوز نسبة 16%، وأن منتجات التبغ تقتل نحو خمسة ملايين شخص كل عام في العالم بمعدل 13.3 ألفاً يومياً.. والأرقام في ازدياد مستمر.
نتائج مفزعة
وفي المملكة تفاقمت المشكلة وتزايدات حيث تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد المدخنين الذي تجاوز 6 ملايين مواطن ومقيم، هذا بخلاف مدخني المعسل والشيشة، حيث يقدر معدل الإنفاق بالمملكة على التدخين 5,255 مليون ريال سنوياً.. وهذه الأرقام المخيفة تؤكدها تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة بأن عيادات مكافحة التدخين تستقبل عشرات الآلاف من المراجعين ممن يرغبون في الإقلاع عن التدخين، وأن ما بين 10- 15% من المدخنين بالمملكة من فئات عمرية صغيرة.. كما تشير التقارير إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن التدخين بازدياد!
وبعملية حسابية بسيطة تتضح لنا النتائج المفزعة عن حجم الهدر المالي الذي يحرقه المدخنون سنوياً في المملكة: وفق أحدث إحصائية يبلغ عدد المدخنين في المملكة (6.800.000)، يدخن أكثرهم كل يوم أكثر من علبة، وباستعراض أسعار الدخان تبيّن أن أقلها سعراً وأكثرها رواجاً تبلغ قيمته خمسة ريالات، فتكون النتيجة كما يلي: (12.410.000,000=365X5X6,800,000) اثنا عشر ملياراً وأربعمائة وعشرة ملايين ريال خلال عام واحد، ومعنى ذلك أنه خلال عشر سنوات سيكون مقدار ما أحرق من الريالات على الدخان فقط في المملكة (124.100.000.000) مائة وأربعة وعشرين ملياراً ومائة مليون ريال، فكم سيكون خلال عشرين سنة؟ هذا في بلد واحد يشتهر بمحافظته، فكيف في بقية بلدان المسلمين الأخرى الأكثر سكاناً والأقل محافظة، إنه مبلغ خيالي لو استثمر لحل مشاكل الفقر والتخلف والنهوض بالحياة الحضارية في جميع بلدان المسلمين، فهل من معتبر؟ وهل من وقفة صادقة مع النفس حيال ذلك؟
نظام مكافحة التدخين
المملكة العربية السعودية - بلاد الحرمين الشريفين - باعتبارها مهبط الوحي ومنبع الرسالة المحمدية، والدولة المطبقة لشرع الله. يجب أن تتكاتف الجهود فيها لمواجهة هذا الوباء «التدخين» ومكافحته، والحد من انتشاره، وقد حققت حكومة خادم الحرمين الشريفين عملاً رائداً في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث نجحت في الحد من ظاهرة التدخين فيها إلى أقل درجة ممكنة، لدرجة أن منظمات ومؤسسات صحية عالمية عديدة اعتبرت مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة مدينتين مؤهلتين لأن تكونا خاليتين من التبغ.
وانطلاقاً من الثوابت الإسلامية التي تحرم إضرار الإنسان بنفسه، أو بغيره، لم تدخر الدولة وولاة الأمر جهداً في اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمكافحة التدخين ومساعدة من يرغب في الإقلاع عنه.. ومن ذلك ما صدر مؤخراًَ من موافقة المقام السامي الكريم على نظام مكافحة التدخين في 28-7-1436 هـ، ولا غرابة في ذلك فالمملكة من الدول القلائل التي تضع التشريعات لحماية المجتمع من الآثار السلبية للتدخين على الفرد والمجتمع، وهي تأتي منسجمة مع بنود الاتفاقية الإطارية الدولية لمكافحة التدخين التي وقّعت عليها المملكة.
وينص نظام مكافحة التدخين على المواد التالية:
المادة الأولى: يهدف هذا النظام إلى مكافحة التدخين، باتخاذ جميع الإجراءات والخطوات اللازمة على مستوى الدولة والمجتمع والأفراد؛ سعياً إلى الحد من عادة التدخين بجميع أنواعه عند الأفراد، وفي مراحل العمر المختلفة.
المادة الثانية: يقصد بالتدخين تعاطي التبغ ومشتقاته، ويشمل ذلك السجائر والسيجار والجراك والتنباك والمعسل وأي منتج يدخل التبغ في مكوناته، سواء تم ذلك عن طريق السجائر أو السيجار أو الغليون أو النشوق أو الشيشة أو المضغ أو التخزين أو أي طريقة أخرى.
المادة الثالثة: تحظر زراعة أو تصنيع التبغ ومشتقاته في المملكة.
المادة الرابعة: تزاد الرسوم على التبغ ومشتقاته، بقرار من مجلس الوزراء.
المادة الخامسة: يجب أن يكون موضحاً على علبة التبغ ومشتقاته البيانات الإيضاحية والتحذيرية التي تحددها اللائحة التنفيذية.
المادة السادسة: لا يفسح للتبغ ومشتقاته بشكل نهائي إلا بعد تحليل عينات منه في المختبرات التي تحددها اللائحة التنفيذية، للتأكد من مطابقتها للمواصفات التي تعدها الجهة المختصة بالتنسيق مع وزارة الصحة.
المادة السابعة: يمنع التدخين في الأماكن التالية:
- الأماكن والساحات المحيطة بالمساجد.
- الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة وفروعها، والجهات العامة الأخرى في الدولة.
- المؤسسات التعليمية والصحية والرياضية والثقافية، والاجتماعية والخيرية.
- الأماكن المخصصة للعمل في الشركات والمؤسسات والهيئات والمصانع والبنوك وما في حكمها.
- وسائل النقل العامة برية أو جوية أو بحرية، وفق ما تحدده اللائحة التنفيذية.
- أماكن تصنيع الطعام والمواد الغذائية والمشروبات وتجهيزها وتعبئتها.
- مواقع إنتاج البترول ومشتقاته ونقله وتوزيعه وتكريره ومحطات توزيع الوقود والغاز وبيعهما.
- المستودعات والمصاعد ودورات المياه.
- الأماكن العامة التي لم ترد في الفقرات السابقة، على أنه في حالة إيجاد مواقع للمدخنين في الأماكن التي تصنف ضمن هذه الفقرة، فيجب على الشخص المسؤول عنها مراعاة أن تكون معزولة وفي أضيق الحدود، ولا يدخلها من يقل عمره عن ثمانية عشر عاماً.. وتحدد اللائحة التنفيذية معايير تطبيق هذه الفقرة.
المادة الثامنة: للحد من بيع التبغ ومشتقاته يُراعى ما يأتي:
- ألا يباع إلا داخل عبوة مغلقة تحتوي على العدد أو الكمية التي تحددها اللائحة التنفيذية.
- ألا يباع بآلات البيع الذاتي.
- ألا يباع داخل وسائل النقل العامة.
- ألا يباع لمن تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً.
- ألا تسجل براءات الاختراع المتعلقة به.
- ألا يخفض سعره، وألا يقدم على شكل عينات مجانية أو هدايا.
- عدم استيراد أو بيع أو تقديم منتجات تحمل دعاية للتبغ ومشتقاته.
- وضع ملصق في مكان البيع يحوي تحذيراً صحياً بمضار التدخين.
المادة التاسعة: يمنع استيراد وبيع ألعاب الأطفال والحلوى المصنعة على هيئة سجائر أو أي أداة من وسائل التدخين.
المادة العاشرة:
- يمنع الإعلان والترويج للتبغ ومشتقاته بأي وسيلة من وسائل الإعلان أو الإعلام السعودية.
- تحذف مشاهد تعاطي التبغ ومشتقاته من الأفلام والمسلسلات والبرامج والمطبوعات التي تعرض في السعودية، وكل ما يشجع على التدخين.
المادة الحادية عشرة: على كل الجهات الحكومية المسؤولة عن الشؤون الإسلامية، والتعليم، والإعلام، والرياضة، والصحة، والشؤون الاجتماعية، عمل برامج توعية لمكافحة التدخين بشكل مستمر وبطريقة فعالة ومبتكرة، وحثّ القطاع الأهلي للمشاركة في هذه البرامج.
المادة الثانية عشرة: تتولى الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة وفروعها، والجهات العامة الأخرى في الدولة، والمؤسسات التعليمية والصحية والرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية، ومؤسسات ومنشآت القطاع الخاص وفروعها؛ مسؤولية ضبط وتحرير المخالفات وإيقاع الغرامات.
المادة الثالثة عشرة: يُعاقب كل مخالف لأحكام المادة (الثالثة) من هذا النظام بغرامة مالية مقدارها (20.000) عشرون ألف ريال مع إزالة المخالفة على حسابه.
المادة الرابعة عشرة: يعاقب كل من يتعاطى التدخين مخالفاً أحكام المادة (السابعة) من هذا النظام بغرامة مالية مقدارها (200) مائتا ريال.
المادة الخامسة عشرة: فيما لم يرد في شأنه نص خاص بالعقوبة، يعاقب كل من يرتكب أي مخالفة لأي حكم من أحكام هذا النظام بغرامة لا تتجاوز (5000) خمسة آلاف ريال، وتضاعف العقوبة في حالة العَوْد.
المادة السادسة عشرة: يجوز لمن صدرت ضده عقوبة من العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام، التظلم أمام الجهة المختصة، خلال المدة النظامية المقررة.
المادة السابعة عشرة: لا تخل العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر.
المادة الثامنة عشرة: تخصص جميع الغرامات المحصلة بموجب أحكام هذا النظام لدعم جهود التوعية وتشجيع الجمعيات الأهلية على مكافحة التدخين ونشرها على مستوى المملكة.
المادة التاسعة عشرة: يصدر وزير الصحة اللائحة التنفيذية لهذا النظام بالتنسيق مع الجهات المعنية، خلال ستة أشهر من تاريخ نشره.
المادة العشرون: يعمل بهذ النظام بعد سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
آفة التدخين بين الطب والدين
وقد قمت بفضل الله وتوفيقه بإعداد كتاب أسميته (آفة التدخين بين الطب والدين) عرضت من خلاله لرأي وحكمة الشريعة الإسلامية في تحريم التدخين، قبل أن يثبت الطب والدراسات الطبية الحديثة الأضرار الكارثية لآفة التدخين على صحة الفرد.. وأوردت عدداً كبيراً من الفتاوى المعاصرة عن هيئة كبار العلماء في تحريم التدخين، وبيعه، والاتجار فيه.
وقدمت في الكتاب وهو الجزء الأكبر منه آراء الأطباء في مختلف تخصصات الطب، حول أضرار التدخين، وكيفية حدوثها، وهي أضرار لا تخفى على عاقل، وتتراوح ما بين أضرار محدودة، وأضرار تصل إلى أخطر الأمراض، وعلى رأسها الأورام السرطانية وأمراض القلب، ويصل عدد الأمراض إلى أكثر من 25 مرضاً تشمل النساء والرجال والأطفال على حدٍّ سواء، بل وحتى الحمل في الأرحام للمدخنات.. واتفق الأطباء المشاركون على خطورة أضرار التدخين على الإنسان.
وخرجت بعدد من التوصيات والنتائج المهمة، ومن ذلك مطالبة ذوي العلاقة بالاهتمام والعناية بالتربية الإسلامية الصحيحة لأجيال الناشئة والشباب ذكوراً وإناثاً، بدءاً من أولياء أمورهم، مروراً بالمعلمين والمعلمات، انتهاء بكل من له علاقة بهم في حياتهم العلمية، بهدف تطبيق التربية الدينية السليمة والقويمة، وبيان حكم الشرع في التدخين وضرره وفتكه، وأهمية إيجاد القدوة الصالحة في البيت والمدرسة والمجتمع، وفي أجهزة الإعلام المختلفة.. والتشديد على منع ممارسة التدخين في أوساط المربين والمدرسين أمام الطلاب وصغار السن، مع أهمية قيام الجهات ذات العلاقة بتنظيم الندوات الكبرى المتخصصة في هذا الشأن، بهدف إيضاح أضرار التدخين من جميع الجوانب، وتُعد توصياتها، وتنفيذ حملات إعلامية مركزة يشترك فيها العلماء والأطباء والأجهزة المختصة، وغير ذلك من النتائج المهمة.
دراسات ميدانية
على الرغم من كثافة الحملات التي تطلقها جمعيات مكافحة التدخين بمختلف مناطق المملكة، إلا أن الإحصائيات والدراسات الأخيرة بينت ارتفاع نسبة المدخنين في المملكة، مما يتوجب مواصلة القيام بالدراسات العلمية الجادة، والعمل للبحث عن المزيد من الأسباب وتقديم العديد من الرؤى والتوصيات المهمة للمعالجة.. ومن هنا شرعت بعمل دراسة ميدانية متخصصة بعنوان: (ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي).. وهي دراسة ميدانية عن عوامل التدخين وآثاره وأبعاده الإنسانية، حيث حذرت الدراسة البالغ عدد صفحاتها (230) صفحة من انتشار ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي بنسبة تزداد بشكل خاص مما يستدعي دق نواقيس الخطر خصوصاً لدى شريحة الشباب التي يُعوَّل عليها في بناء مستقبل الأمة، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك ستة ملايين مدخن في المملكة، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى عشرة ملايين مدخن عام 2020م، وأن المملكة تمثّل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد المدخنين فيها من المواطنين والمقيمين يحرقون ما يزيد على (12) مليار ريال كل عام على الدخان.
وأوصت الدراسة بضرورة تنظيم برامج في المدرسة بوجه خاص لتوعية الآباء وأولياء الأمور بأضرار التدخين وأهمية متابعة أولادهم ومراقبتهم كإجراء وقائي للحيلولة دون انجرافهم في هذه العادة.
وشددت الدارسة على ضرورة تنظيم حملة وطنية شاملة للوقاية ومكافحة ظاهرة التدخين تشمل جميع منابع هذه العادة تشترك فيها جميع الوزارت التي لها علاقة بهذا الأمر، منها وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التعليم، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة والإعلام، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، بحيث تشمل هذه الحملة رفع أسعار السجائر ومتطلبات التدخين، وعلاج المدخنين، والتركيز على الجانب الوقائي من تنظيم محاضرات وندوات في النوادي ووسائل الإعلام المختلفة التي تبين مضار التدخين على مختلف المستويات.
كما طالبت الدراسة بإجراء دراسة شاملة عن ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي تشمل الإناث بالإضافة إلى الذكور في مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، إلى جانب ذلك دعت إلى ضرورة تنظيم برامج للمساعدة في الإقلاع عن التدخين وذلك من خلال تنظيم معارض للتوعية بأضرار التدخين، وإصدار الكتيبات والنشرات، والملصقات بالإضافة إلى إنشاء عيادات خاصة بإشراف وزارة الصحة في المواقع التي تسودها هذه الظاهرة على نطاق واسع، حيث تبين أن أغلبية المبحوثين ونسبتهم (63.96%) لديهم الرغبة في الإقلاع عن التدخين.
وكشفت الدراسة أن أكثر الأمراض انتشاراً لدى أفراد العينة «والبالغ عددها (555) من شرائح اجتماعية واقتصادية مختلفة» بسبب التدخين هي أمراض الجهاز التنفسي بنسبة (12.6%) من العينة يليها السعال بنسبة (6.31%) ثم الغثيان بنسبة (5.41%)، ثم التهاب الشعب الهوائية بنسبة (4.5%)، ونصحت الدراسة بوضع خطة عامة للإقلاع عن التدخين ومكافحته على مختلف المستويات، منها يجب على الفرد حتى يتمكن من التغلب على عادة التدخين السلبية استخدام عادات صحية بديلة مثل: شرب الكثير من الماء والعصائر، وتجنب مقابلة الأصدقاء المدخنين والأماكن التي يتم فيها التدخين، وممارسة الرياضة والذهاب إلى الأماكن التي لا يسمح فيها بالتدخين، والابتعاد عن بعض العادات التي كان يمارسها المدخن في السابق أثناء التدخين، وقبل ذلك تقوى الله تعالى وتوفر الإرادة القوية التي يدعمها التقرب إلى الله - عز وجل -.
وأبانت الدراسة أن ما نسبته (79.28%) من العينة يدخنون السجائر، و(10.81%) منهم يدخنون المعسل، يليها الشيشة بنسبة (8.1%)، وأن أكبر نسبة من العينة يدخنون (20) مرة يومياً بنسبة (27.3%) يليهم من يدخنون عشر مرات بنسبة (16.23%) ثم مرتين بنسبة (10.81%)، مشيرة إلى أن أقوى العوامل المشجعة على التجربة الأولى من التدخين هي إغراء وتشجيع الزملاء والرفاق بنسبة (73, 29%)، ثم التجربة الشخصية بنسبة (21.62%) ثم التشجيع وتقليد أحد أفراد الأسرة بنسبة (16.22%) ثم رغبة في التقليد واكتشاف التجربة بنسبة (11.17%)، كما بينت الدراسة أن (37.84%) من العينة يعانون من مشكلات شخصية، أو أسرية، أو اجتماعية، ونسبة (60.36%) من العينة لا يعانون منها، كما أن مشكلة الأسرة هي الأكبر نسبة التي يعاني منها المدخنون بلغت (19.82%)، تليها مشكلات أخرى بنسبة (6.36%)، ثم مشكلات مع الأصدقاء بنسبة (5.41%) ثم مشكلات مع الزوجة ومشكلات مالية بنسبة (3.6%) لكل منهما، وأشارت الدراسة إلى أن جميع مفردات العينة من الموظفين في القطاع الخاص أو العام، ويمثلون معاً (77.48%)، وجميع أفراد العينة باستثناء شريحة صغيرة (1.8%) من المتعلمين ويمثل الحاصلون على ثانوية عامة فما فوق نسبة (85.6%).
عوامل مشجعة
وأظهرت الدراسة أن اقوى العوامل المشجعة على التجربة من التدخين هي إغراء وتشجيع الزملاء والرفاق بنسبة (29.73%)، ثم التجربة الشخصية بنسبة (21.62%)، ثم تشجيع وتقليد أحد أفراد الأسرة بنسبة (16.22%) ثم الرغبة في زيادة الثقة بالنفس وتأكيد الذات بنسبة (12.61%)، ثم رغبة في التقليد واكتشاف أسرار التجربة بنسبة (11.17%)، كما توصلت الدراسة إلى ما نسبته (37.84%) من العينة يعانون من مشكلات شخصية وأسرية أو اجتماعية، ونسبة (60.36%) من العينة لا يعانون منها، ووصفت الدراسة بعض الوصفات الطبية للإقلاع عن التدخين، كما أشارت الدراسة إلى أن (42.34%) من مفردات العينة يعانون من أمراض ناتجة عن التدخين، فيما كشفت الدراسة أن أكثر الأمراض انتشاراً لدى أفراد العينة هي أمراض الجهاز التنفسي بنسبة (12.6%) من العينة يليها السعال بنسبة (31.6%) ثم التهاب الشعب الهوائية بنسبة (4.5%)، وهناك طيف واسع من الأمراض الأخرى أقل انتشاراً بينهم.
وطالبت الدراسة بوضع إستراتيجية عامة للإقلاع عن التدخين عبر وضع تصور لخطة عامة للإقلاع عن التدخين ومكافحته ولا بد من تنفيذها على عدة مستويات داخل المجتمع إذ إن نجاحها مشروط بتضافر الجهود وتكاملها للوصول إلى الأهداف المبتغاة وهذه المستويات هي مستوى الفرد ومستوى الجماعة أو المؤسسة الاجتماعية ومستوى الدولة والمجتمع ومستوى المنظمات الإقليمية والدولية، كما أوردت الدراسة بعض الوصفات الطبية للإقلاع عن التدخين، معتبرة أن مراقبة الأهل لأبنائهم مهمة جداً للحيلولة بينهم وبين تأثير رفاق السوء والقدوة السيئة، ومشددة الدراسة على ضرورة تعاون الزوجة مع زوجها في الإقلاع عن التدخين وذلك لما عرف من كره الزوجات للتدخين عادة وضيقهن منه ومن راحته، فقد تبين أن تعاون بعض الزوجات مع أزواجهن المدخنين أدى إلى إقلاعهم نهائياً عن هذه العادة السيئة بنسبة بلغت (30%) من المراجعين للعيادة الخيرية لمكافحة التدخين بالرياض عام 1422هـ.
وأكدت الدراسة العلمية أن المنزل يمارس دوره في التركيز على أضرار التدخين بوسائل غير مباشرة بعيداً عن فرض العقوبات القاسية على الأبناء، وكذلك على الإدارة المدرسية أن تراقب عن كثب مجموعة الطلبة محل الشبهة وبخاصة ما يعرف بالشلة لأن الطالب يتعلم التدخين من خلال تقليد أصحابه، كما يجب منع المعلمين من التدخين حتى في غرف استراحاتهم وذلك للحفاظ على صورة المعلم القدوة في أعين الطلبة، ومن المهم القيام ببرامج للتوعية في المدرسة بحيث تكون هذه البرامج جزءاً من دروس الطلبة الموضوعة والمدرجة ضمن البرامج التعليمية، فهذا يساعد على الحد من استفحال هذه الظاهرة الخطيرة.
وأشارت «في هذا الصدد» إلى أن من أهم أسباب نجاح التجربة الغربية في مكافحة التدخين تعدد جهات المكافحة له فالطبيب يكافح والصحفي يكافح والخطيب والسياسي، كل في مجاله فكلما كثرت الجهات المكافحة لهذه الآفة قلَّت في المجتمع.. وأيضاً الإعلان في المدرسة عن استعداد المرشد الطلابي لمساعدة الطلاب في الإقلاع عن التدخين، إضافة إلى مساعدة أقارب المقلع عن التدخين وتحمل الاضطرابات السلوكية التي قد يعاني منها في المرحلة الأولى من الإقلاع.
وأبانت الدراسة أن مكافحة التدخين على مستوى الدولة والمجتمع والمنظمات الإقليمية تكون بالقيام بحملة توعية نشطة تتضمن المطبوعات والإعلانات في وسائل الإعلام المختلفة التي تهدف إلى إثناء الشباب عن التدخين وقيام الخبراء والمختصين بإلقاء المحاضرات وعرض الأفلام مع القيام بحملة واسعة لمكافحة التدخين ومنه دعوة تجار التجزئة والبقالات لعدم بيع السجائر لكل من يقل عمره عن (18) عاماً كمرحلة أولى، ومنع بيعها على الصغار بل ومعاقبة من يبيعها لمن لم يبلغ السن القانونية، على الرغم من أن بعض علمائنا قد حرموها من باب توقع ضررها فيما نجدها تباع في البقالات الكبيرة والصغيرة على الجميع صغاراً وكباراً، كما يجب فرض عقوبات على المدخنين في الأماكن العامة جهاراً.
وطالبت الدراسة برفع أسعار السجائر ومشتقاتها، متوقعة أن يؤدي ذلك إلى تقليص نسبة الشرائح التي تمارس التدخين وبخاصة من طلاب المدارس ومحدودي الدخل، ومشيرة في هذا الشأن إلى صدور الموافقة السامية على رفع الرسوم الجمركية لبيع الدخان ومشتقاته إلى (50%) بدلاً من (30%)، وعقد الندوات ضمن برنامج التوعية العام في المدارس لمكافحة التدخين من قبل وزارة التربية والتعليم، وإقامة المعارض والندوات الإقليمية للتوعية بأخطار التدخين، والحد من أخطاره مثل اليوم العالمي لمكافحة التدخين، كما طالبت بإدخال التوعية بأخطار التدخين في المناهج التعليمية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وعدم إصدار تصاريح لإنشاء مصانع التبغ بأشكاله المختلفة، وتخصيص أماكن خاصة للمدخنين في المطاعم والكافيتريات والأماكن العامة ووسائل النقل، وضرورة تفعيل بنود وقرارات وأنشطة مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي ووضعها موضع التنفيذ، والتأكيد على منع الإعلان عن السجائر والتبغ بجميع وسائل الإعلام ومنع رعاية المسابقات التي تنظمها شركات التبغ والسجائر ومنع توزيع الهدايا مع علب السجائر.
ودعت الدراسة إلى منع الإعلان عن التبغ ومشتقاته في الملاعب الرياضية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإنشاء جمعيات أهلية لمكافحة التدخين بهدف تكثيف جهود التوعية الصحية بأخطار ومصادر التدخين، وإجراء دراسات وبحوث ميدانية عن أضرار التدخين وسبل مكافحته، وتكثيف الوعي الديني في الأندية والمساجد والأماكن العامة حول أخطار التدخين ومضاره.
وأكدت الدراسة أهمية مشاركة خطباء الجمعة في التحدث عن اليوم العالمي لمكافحة التدخين بخطب الجمع بالمساجد، تحذير المجتمع من آثار التدخين الصحية، وذكر أن برامج التوعية إذا لم يتفاعل معها المجتمع ومؤسساته المدنية جهد ضائع، مع أهمية وضع إستراتيجيات جديدة ذات فعالية أكبر للمكافحة، وتوفير وعي صحي كمنهج دائم يؤكد على أن الوقاية خير من العلاج إلى جانب وضع قوانين وعقوبات رادعة، ووضع عقوبات صارمة للذين لم يتقيدوا بعدم التدخين في الدوائر الرسمية على وجه العموم، وفي القطاعات الصحية على وجه الخصوص.
واستعرضت الدراسة بعضاً من التجارب العربية والدولية في مكافحة التدخين في مجتمعاتها، وما اتخذته المملكة في هذا الشأن، داعيةً إلى ربط الترقيات والعلاوات لجميع موظفي الدولة بقضية تدخين الموظف من عدمه، وزيادة الدعم للجمعيات الخيرية لمكافحة التدخين، وتأمين الأطباء والممرضين وتدريبهم لأن أهداف الجمعيات تصب في أهداف وزارات الصحة.
وفي الختام، إنه من الأهمية بمكان تطبيق نظام مكافحة التدخين بحذافيره من قِبل الجهات المعنية، ومتابعة النشء الذين يمارسون عادة التدخين، لأنه بوابة خطيرة للدخول في عالم المخدرات.