ناصر الصِرامي
الحقيقة، إن حالة الارتباك التي يبديها البعض أمام شبكات التواصل الاجتماعي تجعلك تفكّر باستمرار في مدى استعدادنا الاجتماعي والذهني، أو فهمنا لتطور الوسائل والأدوات وانفتاح العالم، الذي شرع أبوابه على بعضها البعض منذ الفتح العظيم لشبكة الإنترنت، وتحولها إلى أسرع المخترعات البشرية انتشاراً ووصولاً لأنحاء وزوايا الكون المختلفة.
حالة ارتباك من اللافت والغريب أن تصل إلى مثقفين وصحفيين وكتّاب وموجهين، يُفترض فيهم الاطلاع والاستشراف، وليس العامة فقط!
وبينما نسخر من ردود الأفعال البسيطة مع وصول الراديو والإذاعة والتصوير والتلفزيون، ثم البث الفضائي لدينا، إلا أن البعض في هذا العصر المزدحم بكل أدوات الاتصال والتلاقي الشبكي الخاص والعام.. هذا البعض يمارس نفس رد الفعل الساذج ذاك أمام شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ يصل الأمر إلى تجريمها وتحميلها مسؤولية وخلل منظومة التربية والتعليم والثقافة والوعي مثلاً.. إلخ، وها هو دون أن يشعر يتحول إلى مساحة للسخرية من جيل حالي، وبشكل أقسى من جيل تالٍ، أجيال وُلدت بعد الإنترنت..!
سيقول لك المرتبك إن هذه الشبكات غير..!
- وسأقول له كذلك كان البث الفضائي، بل حتى التلفزيون المحلي كان بالنسبة للمعترضين عليه في حينه غير، مقارنة بما قبله.. وتلك أيها المرتبك طبيعة الأشياء وتطور الوسائل والفتوحات البشرية التقنية والاتصالية والعلمية، دائماً غير، دائماً تتجدد وبشكل مذهل وصادم ربما، لمن يدور في حلقات لا يخرج منها أبداً!
كل ما تفعله التقنية - الاتصالات - الشبكات والتطبيقات أنها تعكس الواقع بجماله وقبحه، بأدبه وقلة أدبه، بعنفه وتسامحه، بشبقه وزهده، بتطرفه وعقلانيته، بل بإيمانه وكفره... إلخ.
مرآة كبرى للواقع، أي واقع، وتزيد على ذلك أنها تفاعلية، تجمع حلقات الخير والشر؛ لتبث بضاعتها، هذه المرة ليس في الغرف المغلقة والسرية، وإنما مباشرة وتفاعلية.. فالمشكلة ليست في الوسيط أو الأداة، والعلاج أيضاً ليس فيها، بل هو في المجتمع، في الأسرة، في التعليم، في الوعي، ثم في قوانين منظمة وصارمة.
ثم لنتذكر دوماً أن التطبيقات اليوم عصية على الحجب والرقابة أيضاً.. ولن تتوقف أبداً..
كنت أشاهد تطبيق غلاف بلاستيكي جديد لشركة سامسونج، يجعلك تتذوق أطباق الأطعمة المختلفة والشهية بمجرد تمريرها على طبق حقيقي أو صورة لطبق طعام تشتهيه، قبل أن تطلبه، ويمكنك وأنت في نيويورك تذوُّق كبسة بيتك في الرياض أو جدة أو أي قرية قدمت منها..!
هل لنا أن نتخيل كيف يمكن أن يستخدم هذا التطور الجميل استخداماً جيداً أو فاسداً؟!
دائماً ستكون هناك حالة ارتباك جديدة مع كل منتج يتحدى بساطة العقل البشري وحدوده، أو حواجزه المصطنعة، أو من يضع له حدوداً ضيقة متخيلة، هؤلاء فقط هم من سيخرجون من أزمة ليقعوا في أخرى دون أن يتذوقوا جمال الحياة وتجربتها..
فيما هم يبحثون عمن يخبرهم بأن «استخدام العقل لا بأس به..»..!