ناصر الصِرامي
في عام 2014 قُتل سمير عبد محمد الخليفاوي، واسمه الحركي (حجي بكر)، وكان عقيدًا سابقًا في مخابرات الدفاع الجوية العراقية، ليظهر اسم المخطط الاستراتيجي للمجموعة التي تسمي نفسها «الدولة الإسلامية» - داعش.
لكن الأسرار وملفات التنظيم تتوالى، من الجداول التنظيمية المكتوبة بخط اليد والقوائم التي تبين كيفية إخضاع دولة ما تدريجيًا، تبيِّن تركيبًا معقدًا وتوجيهات للسيطرة على الفوضى التي حلت في مناطق سيطرة ثوار سوريا، حيث استراتيجيات أكبر جيش إرهابي في التاريخ الحديث..!
حل الجيش العراقي في مايو 2003 من قِبل الولايات المتحدة كان الخطأ الكبير، الذي زاد من الإرهاب في المنطقة، وقاد إلى زيادة وتيرة الفوضى في ضواحيها. الآلاف من الضباط السنة المدربين جيدًا أُهينوا وسُرحوا، وخلقت أمريكا أقسى وألد الأعداء.
بعد إسقاط أمريكا لصدام حسين أُصيب النظام السوري بالذعر من أن تكمل القوات الأمريكية مسيرها نحو سوريا للإطاحة بالأسد أيضاً؛ لذا نظم ضباط الاستخبارات السورية على مدى السنوات اللاحقة نقل آلاف المتطرفين من كل المنطقة إليها؛ إذ دخل تسعون في المائة من الانتحاريين إلى العراق عبر سوريا، وقد تطورت علاقة غريبة بين الجنرالات السوريين والجهاديين الدوليين والضباط السابقين العراقيين الذين كانوا يدينون بالولاء لصد النظام السابق، مشروع مشترك لأعداء الأمس.
بعد عقد أصبح للأسد رغبة مختلفة لإعادة التحالف للوجود، كان يريد أن يكون هو حمامة السلام مقارنة بما يفعله هؤلاء الإرهابيون، وكلما كان الإرهاب الإسلامي الذي يحتضنه أكثر بشاعة كان نظامه الخيار الأفضل للبقاء.
وبسبب سمعة وعلمانية حزب البعث اختارت عام 2010 مجموعة صغيرة من ضباط المخابرات العراقيين السابقين تنصيب أبو بكر البغدادي أميراً، ومن ثم «خليفة»؛ فالبغدادي بالنسبة لهم شيخ متعلم، ويمكنه أن يعطي طابعًا دينيًا صارمًا، والهدف أن السيطرة على الشعوب يجب أن تكون بيد قلة تكون فوق الحساب؛ لأنها تحكم باسم الهدف الأكبر، وتكتسب شرعيتها من الله، وتحرك العوام والجهلة المتحمسين.
وفي مخططاتها بالشريعة والمحاكم والحسبة المفروضة تخدم هدفًا واحدًا، هو التجسس والسيطرة. بالنسبة لمؤسس داعش فإن الله والدين لا يتجاوزان كونهما أدوات يستخدمها لبلوغ غايته، وباستغلال مبطن لمعتقدات الآخرين.
ملابس النينجا والحيل الرخيصة وخلايا جاسوسية مموهة لتبدو كأنها مكاتب دعوة وحسبة.. إلخ، إلا أن الحيلة نجحت بالإرهاب والتخويف وخلق صورة مرعبة.. وقتل مستمر لوقت سيطول..!
منذ البدايات كان كل طرف يستخدم الآخر وفق تكتيكات معقدة ومباشرة أيضاً؛ إذ حصل قادة ما يسمى الدولة الإسلامية على المساعدة من القوات الجوية للأسد، وباستمرار يقصف سلاح الجو السوري مواقع الثوار ومقارهم وقت المعارك بين داعش والثوار. بينما كان أمير الدولة الإسلامية المزعومة يأمر مقاتليه بالامتناع عن إطلاق النار على جيش الأسد..
وبالتالي وسعت (داعش) رقعتها قرية تلو القرية، دون أية مقاومة موحدة من قِبل الثوار السوريين. لقد بدا الثوار في حالة شلل أمام قوة الشر لدى داعش التي انتقلت لهدفها الأساس (العراق) مستفيدة من طائفية حكوماته وجيشه ومليشياته.
الأسبوع الماضي - فقط - قالت ماري هارف، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن نظام بشار الأسد يقوم بعمليات إسناد لتنظيم «داعش»، ويمهد تقدمه باتجاه مدينة حلب، بل يتجنب مواجهة قوات التنظيم بشكل عام!
سياق يفهم منه تصريح وزير الخارجية عادل الجبير بأن إبعاد الأسد عن السلطة، وتطبيق الإصلاحات التي تعهَّدت بها حكومة العراق لضمان المساواة بين العراقيين كافة، بمن فيهم السُّنة، يُعتبران أمرَيْن مهمَّيْن لهزيمة «داعش».
اليوم تسقط الجبهات في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن في هذه الصفة الطائفية، بل توسع الأمر ليشمل مشاركة الشيعة الأفغان والباكستانيين مثلاً ضد مواطنيهم السُّنة في سوريا والعراق. فيما تستفيد داعش (السنية) من همجية المليشيات الشيعية الوحشية للتغلغل والتجنيد وكسب الرأي العام. وكذلك يفعل الحشد الشعبي الشيعي.
إننا أمام احتمالات فعلية أن تتحول الطائفية إلى حرب مذهبية إسلامية كبرى، تنذر بقرب القيامة كما يروج الآن متطرفو الجانبين باسم الله..!