ناصر الصِرامي
منذ بداية القرن، نشرت العديد من المقالات الرئيسية التي تصور نهاية التلفزيون كوسيلة، وبالتالي الإعلان التلفزيوني، على سبيل المثال، بيرمان، دافي (2006)، وفي عرض استشاري ل IBM كتب تقريرا بعنوان «نهاية التلفزيون كما نعرفه»، وتوقع زوال لا رجعة فيه..!
ثم بورلاند وهانسن (2007) «تقرير الصورة.. التلفزيون ميت.. «حيث توقع خفوت الإعلانات التلفزيونية الى درجة الاختفاء، وضعف التلفزيون كوسيلة. تحليل مبكر جدا لكنه دقيق مثل كل النبوءات المستقبلية..
حتى تزول اى وسيلة اعلامية، فإن المؤشر الاول لها هو حجم الاعلان، تقلص الانفاق الاعلاني، والمساحات الاعلانية، واختفاءها، وهو ما حدث للراديو التقليدي كما عرفناه، قبل ان تعود اذاعات الموجات القصيرة -اف ام- لتتجدد عبر تنشيط الاعلان التجاري الصوتي -التفاعلي-المعلوماتي.
الحال ينطبق على الصحف، الصحف التى لا يتوفر بها اعلان، بالتاكيد ها هي تذبل أمامنا اليوم، فيما القوية اعلانيا يمكن لها البقاء مهما تواضعت او تضعضعت ادارتها، حتى وان اعتمدت على دعم الدول -في بعض الحالات- لكنه دعم محدود، و لن يستمر متى ما فقدت تاثيرها وانتشارها وفعاليتها.
إنه الإعلان- المال- هو من يعرف أولا إن كانت هذه الوسيلة أو تلك قد فقدت فاعليتها أو تجهز جنازتها، التاجر دائما ذكي، ولا يمكن خداعه بسهولة أبدا لوقت طويل.
من بين المخاوف التي أصابت وتصيب صناعة التلفزيون هو انتشار وسائل الإعلام الجديدة في شكل الخدمات والشبكات، وفيديو الانترنت، مثل يو تيوب، وشبكات التواصل الاجتماعي المباشرة التى تتكاثر بشكل مذهل، وتلفزيون الانترنت الذي يقدم اليوم خيارات حسب الطلب من البرامج القنوات، في أى وقت وعبر أى جهاز.
الا أن السؤال والدراسات الأهم، هي حول، حالات الهروب الإعلاني من الإعلام التقليدي، بما فيها الشاشات العملاقة، إلى هذه الوسائل الجديدة التفاعلية والمباشرة إلى الشاشات الصغيرة المتصلة بكل واحد منا طوال الوقت.. هل فعلا بدأ يتسرب الاعلان لجانبها..؟
ظهور وسائل الإعلام القائمة على الانترنت - أو كما يحب أن يصفه البعض بالإعلام الجديد-، يوفر وعدا جديدا لسوق اعلانية اكثر تشعبا ومباشرة وتفاعلا. ومعها يصبح الاعلان مثل القدر الذي يلقاك حيث ما تكون، دون ان تملك سلطة تفاديه والتخلص منه، في النهاية أنت من يبحث عن المحتوى، لكن هذا المحتوى المجاني تقريبا، والمغري في الوقت نفسه، لن يأتيك دون ان تدفع ثواني من وقتك لمشاهدة اعلان اختارك عن قصد..
طبعا من السابق لأوانه تقليل قيمة التلفزيون كوسيط فعال كما تنقل إلاحصاءات، إلا أن التوقعات او الدراسات المستقبلية تلك قصة مختلفة وجديرة بالبحث والتأمل.
في الولايات المتحدة زاد متوسط الوقت الذي يقضيه الفرد لمشاهدة التلفزيون إلى نحو 4 ساعات، بعد أن كان ساعتين ونصف في عام 2012. رغم قفزة نمو استخدام واستهلاك الانترنت الضخمة، لكنه لا يزال أقل من التلفزيون. حيث يسجل معظم النمو في استهلاك الإنترنت عبر التحول من النصوص -صحف، كتب، الخ.. - أى التحول بعيدا عن الصحف والمجلات المطبوعة تحديدا.
فالشاشة العملاقة لازالت تشكل جزءاً أساسيا من حياة اليوم، وتجتذب مليارات الدولارات من صناعة الاعلان، لكن إثارة الحوار هذا في ظل انتشار هائل للشاشات الصغيرة الجوالة يؤكد أن القصة ستتغير أو هي في اتجاهات التغير بين سلطتين، يختلف بينهما حجم الشاشة ومرونتها.
لكن الحكم النهائي دائما، كما في صناعة الاعلام الناجحة.. هو الاعلان، هو المؤشر وهوسيد الموقف.. وهو في النهاية من يحدد بقاء أو موت أى وسيلة إعلامية..!