فضل بن سعد البوعينين
نجح برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للابتعاث الخارجي, خلال العشر السنوات الماضية في ابتعاث ما يقرب من 150 ألف طالب وطالبة؛ عاد منهم ما يقرب من 60 ألفاً بعد أن أنهوا دراستهم الجامعية؛ ويتوقّع أن تعود الأعداد الباقية خلال الخمس السنوات القادمة.
أسهم البرنامج في فتح باب الابتعاث الخارجي؛ ورَفَع من كفاءة مخرجات التعليم العالي؛ غير أن بعض الخريجين عانوا بعد عودتهم من شح الوظائف المتاحة. كتبت غير مرة؛ عن أهمية تطبيق آلية الابتعاث النوعي كي تتوافق مخرجات الابتعاث مع احتياجات الاقتصاد وسوق العمل؛ ورؤية الحكومة المستقبلية؛ وهو أمر لا يمكن لوزارة التعليم تحقيقه إلا من خلال مشاركتها الوزارات والمؤسسات الحكومية من جهة؛ والقطاع الخاص من جهة أخرى؛ إضافة إلى رؤية الحكومة وإستراتيجيتها وحاجتها الحالية والمستقبلية للتخصصات المطلوبة في سوق العمل، التي يسيطر على وظائفها غير السعوديين.
تركيز «برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للابتعاث الخارجي» على تحديد الجامعات الموصى بها؛ مع ترك خيار التخصص للطلاب والطالبات؛ أدى إلى دخول أعداد كبيرة منهم تخصصات غير مطلوبة محلياً؛ في الوقت الذي عانت فيه بعض التخصصات المطلوبة من شُح كبير في الخريجين.
غياب التخطيط الإستراتيجي أسهم في تعاظم مشكلة المبتعثين؛ وقلّل من استفادة قطاعات الاقتصاد من برنامج الابتعاث الخارجي. عندما تعمل وزارات الاقتصاد والتخطيط؛ العمل؛ والتعليم (التعليم العالي)؛ بشكل منعزل؛ تقل كفاءة البرامج المهمة؛ بل ربما تسببت في زيادة حجم بعض المشكلات المحلية بدل الإسهام في معالجتها؛ والدليل بقاء كثير من خريجي برنامج الابتعاث الخارجي بلا عمل؛ ما تسبب في زيادة حجم البطالة بدل الإسهام في معالجتها.
وعلى النقيض من ذلك؛ نجد أن برامج الابتعاث الخارجي التابعة للشركات الكبرى تحقق أهدافها بعناية لأسباب مرتبطة بالتوجيه الأمثل؛ والتخطيط الدقيق الذي يربط بين الاحتياج والتخصصات المستهدفة والوظائف المتاحة.
يبدو أن وزارة التعليم بدأت في إعادة هيكلة برنامج الابتعاث الخارجي؛ معتمدة على الابتعاث النوعي من جهة؛ والربط بين الوظيفة والابتعاث من جهة أخرى؛ وهو أمر غاية في الأهمية؛ إلا أن السؤال الذي يستوجب طرحه هو: هل تملك وزارة التعليم القدرة على فرض توظيف الخريجين في القطاعين الخاص والعام وفق برنامجها المعلن؟ قد يكون الأمر أكثر سهولة مع وزارة الصحة التي تصل فيها نسبة السعودة ما يقرب من 30% من مجمل القطاع؛ وهو ما يسمح بتطبيق آلية الإحلال الإستراتيجي؛ غير أن تطبيقها على القطاعات الأخرى قد يواجه ببعض المعوقات.
ربما مارست وزارة التعليم في بعض أعمالها مهام الحكومة المعنية بالإستراتيجية الشاملة في الوقت الذي يفترض أن تكتفي بالجزء الخاص بها من الإستراتيجية الحكومية ذات العلاقة بعدد الخريجين المطلوبين في التخصصات المختلفة.
توقيع وزارات ومؤسسات حكومية عقود شراكة مع وزارة التعليم من أجل تفعيل برنامج «وظيفتك وبعثتك» أمر مفرح؛ ومثير في الوقت عينه؛ خاصة للمطلعين على آلية العمل الحكومية المتداخلة التي قد تحول دون قدرة الوزارات على التعيين بإستقلالية عن وزارتي المالية والخدمة المدنية؛ لذا أعتقد أن دور الحكومة الشمولي يفترض أن يكون مقدماً في هذه الحالة.
ومن جهة أخرى يفترض أن يكون القطاع الخاص الأكثر احتضاناً لخريجي الداخل والخارج؛ فالحكومة في حاجة إلى خفض التزاماتها المالية المرتبطة بالتوظيف لا التوسع فيها.
رغم إيماني التام بنجاعة برنامج «وظيفتك وبعثتك»؛ وقرار هيكلة برنامج الابتعاث الخارجي؛ إلا أنني أتمنى أن تعتمد الهيكلة على دراسة شاملة للسوق؛ وقطاعات الاقتصاد؛ لمعرفة حاجة السوق الحالية والمستقبلية من الخريجين وفق تخصصاتهم المحددة سلفاً؛ وهو أمر يمكن تحقيقه بسهولة من خلال وزارة الاقتصاد والتخطيط المعنية بتحديد حجم الطلب على خريجي الداخل والخارج وتخصصاتهم اعتماداً على حاجة الاقتصاد وسوق العمل.